ثم قال :﴿نُزُلاً مّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ﴾ والنزل : رزق النزيل وهو الضيف، وانتصابه على الحال، قال العارفون : دلّت هذه الآية على أن كل هذه الأشياء المذكورة جارية مجرى النزل، والكريم إذ أعطى النزل فلا بد وأن يبعث الخلع النفيسة بعدها، وتلك الخلع النفيسة ليست إلا السعادات الحاصلة عند الرؤية والتجلي والكشف التام، نسأل الله تعالى أن يجعلنا لها أهلاً بفضله وكرمه، إنه قريب مجيب.
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) }
اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
أنا ذكرنا أن الكلام من أول هذه السورة إنما ابتدىء حيث قالوا للرسول ﴿قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ [ فصلت : ٥ ] ومرادهم ألا نقبل قولك ولا نلتفت إلى دليلك، ثم ذكروا طريقة أخرى في السفاهة، فقالوا ﴿لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان والغوا فِيهِ﴾ [ فصلت : ٢٦ ] وإنه سبحانه ذكر الأجوبة الشافية، والبيانات الكافية في دفع هذه الشبهات وإزالة هذه الضلالات، ثم إنه سبحانه وتعالى بيّن أن القوم وإن أتوا بهذه الكلمات الفاسدة، إلا أنه يجب عليك تتابع المواظبة على التبليغ والدعوة، فإن الدعوة إلى الدين الحق أكمل الطاعات ورأس العبادات، وعبّر عن هذا المعنى فقال :﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صالحا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ المسلمين﴾ فهذا وجه شريف حسن في نظم آيات هذه السورة.


الصفحة التالية
Icon