وفيه وجه آخر وهو أن مراتب السعادات اثنان : التام، وفوق التام، أما التام : فهو أن يكتسب من الصفات الفاضلة ما لأجلها يصير كاملاً في ذاته، فإذا فرغ من هذه الدرجة اشتغل بعدها بتكميل الناقصين وهو فوق التام، إذا عرفت هذا فنقول إن قوله ﴿إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا﴾ [ فصلت : ٣٠ ] إشارة إلى المرتبة الأولى، وهي اكتساب الأحوال التي تفيد كمال النفس في جوهرها، فإذا حصل الفراغ من هذه المرتبة وجب الانتقال إلى المرتبة الثانية وهي الاشتغال بتكميل الناقصين، وذلك إنما يكون بدعوة الخلق إلى الدين الحق، وهو المراد من قوله ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله﴾ فهذا أيضاً وجه حسن في نظم هذه الآيات.
واعلم أن من آتاه الله قريحة قوية ونصاباً وافياً من العلوم الإلهية الكشفية، عرف أنه لا ترتيب أحسن ولا أكمل من ترتيب آيات القرآن.
المسألة الثانية :
من الناس من قال المراد من قوله ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله﴾ هو الرسول ﷺ، ومنهم من قال هم المؤذنون، ولكن الحق المقطوع به أن كل من دعا إلى الله بطريق من الطرق فهو داخل فيه، والدعوة إلى الله مراتب :


الصفحة التالية
Icon