ثم قال تعالى :﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر لَمَّا جَاءهُمْ﴾ وهذا أيضاً تهديد، وفي جوابه وجهان : أحدهما : أنه محذوف كسائر الأجوبة المحذوفة في القرآن على تقدير : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم يجازون بكفرهم أو ما أشبه والثاني : أن جوابه قوله ﴿أولئك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾ والأول أصوب، ولما بالغ في تهديد الذين يلحدون في آيات القرآن أتبعه ببيان تعظيم القرآن، فقال :﴿وَإِنَّهُ لكتاب عَزِيزٌ﴾ والعزيز له معنيان أحدهما : الغالب القاهر والثاني : الذي لا يوجد نظيره، أما كون القرآن عزيزاً بمعنى كونه غالباً، فالأمر كذلك لأنه بقورة حجته غلب على كل ما سواه، وأما كونه عزيزاً بمعنى عديم النظير، فالأمر كذلك لأن الأولين والآخرين عجزوا عن معارضته، ثم قال :﴿لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ﴾ وفيه وجوه : الأول : لا تكذبه الكتب المتقدمة كالتوراة والإنجيل والزبور، ولا يجيء كتاب من بعده يكذبه الثاني : ما حكم القرآن بكونه حقاً لا يصير باطلاً، وما حكم بكونه باطلاً لا يصير حقاً الثالث : معناه أنه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه، أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه.
والدليل عليه قوله ﴿وَإِنَّا لَهُ لحافظون﴾ [ الحجر : ٩ ] فعل هذا الباطل هو الزيادة والنقصان الرابع : يحتمل أن يكون المراد أنه لا يوجد في المستقبل كتاب يمكن جعله معارضاً وله ولم يوجد فيما تقدم كتاب يصلح جعله معارضاً له الخامس : قال صاحب "الكشاف" هذا تمثيل، والمقصود أن الباطل لا يتطرق إليه، ولا يجد إليه سبيلاً من جهة من الجهات حتى يتصل إليه.
واعلم أن لأبي مسلم الأصفهاني أن يحتج بهذه الآية على أنه لم يوجد النسخ فيه لأن النسخ إبطال فلو دخل النسخ فيه لكان قد أتاه الباطل من خلفه وإنه على خلاف هذه الآية.


الصفحة التالية
Icon