واعلم أن نظير هذه الآية قوله ﴿إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة وَيُنَزّلُ الغيث﴾ [ القمان : ٣٤ ] إلى آخر لآية، فإن قيل أليس أن المنجمين قد يتعرفون من طالع سنة العالم أحوالاً كثيرة من أحوال العالم، وكذلك قد يتعرفون من طوالع الناس أشياء من أحوالهم، وههنا شيء آخر يسمى علم الرمل وهو كثير الإصابة وأيضاً علم التعبير بالاتفاق قد يدل على أحوال المغيبات، فكيف الجمع بين هذه العلوم المشاهدة وبين هذه الآية ؟ قلنا إن أصحاب هذه العلوم لا يمكنهم القطع والجزم في شيء من المطالب ألبتة وإنما الغاية القصوى ادعاء ظن ضعيف والمذكور في هذه الآية أن علمها ليس إلا عند الله والعلم هو الجزم واليقين وبهذ لطريق زالت المنافاة والمعاندة والله أعلم، ثم إنه تعالى لما ذكر القيامة أردفه بشيء من أحوال يوم القيامة، وهذا الذي ذكره ههنا شديد التعلق أيضاً بما وقع الابتداء به في أول السورة، وذلك لأن أول السورة يدل على أن شدة نفورهم عن استماع القرآن إنما حصلت من أجل أن محمداً ﷺ كان يدعوهم إلى التوحيد وإلى البراءة عن الأصنام والأوثان بدليل أنه قال في أول السورة ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ﴾ [ فصلت : ٦ ] فذكر في خاتمة السورة وعيد القائلين بالشركاء ولأنداد فقال :﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِى﴾ أي بحسب زعمكم واعتقادكم ﴿قَالُواْ آذناك﴾ قال ابن عباس أسمعناك كقوله تعالى :﴿وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا وَحُقَّتْ﴾ [ الانشقاق : ٢ ] بمعنى سمعت، وقال الكلبي أعلمناك وهذا بعيد، لأن أهل القيامة يعلمون الله ويعلمون أنه يعلم الأشياء علماً واجباً، فالإعلام في حقه محال.


الصفحة التالية
Icon