و ﴿ ضلّ ﴾ : حقيقته غاب عنهم، أي لم يجدوا ما كانوا يدعونهم من قبل في الدّنيا، قال تعالى :﴿ بل ضلُّوا عنهم ﴾ [ الأحقاف : ٢٨ ].
فالمراد به هنا : غيبة أصنامهم عنهم وعدم وجودها في تلك الحضرة بقطع النّظر عن كونها ملقاة في جهنّم أو بقيت في العالم الدنيوي حين فنائه.
وإذ لم يجدوا ما كانوا يزعمونه فقد علموا أنّهم لا محيص لهم، أي لا ملجأ لهم من العذاب الذي شاهدوا إعداده، فالظّنّ هنا بمعنى اليقين.
والمحيصُ مصدر ميمي أو اسم مكان من : حاص يَحيصُ، إذا هرب، أي ما لهم مفر من النّار.
﴿ لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (٤٩) ﴾
اعتراض بين أجزاء الوعيد.
والمعنى : وعلموا ما لهم من محيص.
وقد كانوا إذا أصابتهم نعماء كذّبوا بقيام السّاعة فجملة ﴿ لا يسأم الإنسان من دعاء الخير ﴾ إلى قوله :﴿ قنوط ﴾ تمهيد لجملة ﴿ ولئن أذقناه رحمةً منا ﴾ الخ...
وموقع هذه الآيات عقب قوله ﴿ ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ﴾ [ فصلت : ٤٧ ] الخ يقتضي مناسبة في النّظم داعية إلى هذا الاعتراض فتلك قاضية بأنّ الإنسان المخبر عنه بأنّه لا يسأمُ من دعاء الخير وما عطف عليه هو من صنف النّاس الذين جرى ذِكر قصصهم قبل هذه الآية وهم المشركون، فإمّا أن يكون المراد فريقاً من نوع الإنسان، فيكون تعريف ﴿ الإنسان ﴾ تعريف الجنس العام لكن عمومه عرفي بالقرينة وهو الممَثل له في علم المعاني بقولكَ : جمع الأمير الصاغة.
وإمّا أن يكون المراد إنساناً معيناً من هذا الصنف فيكون التعريف تعريف العهد.
كما أن الإخبار عن الإنسان بأنّه يقول : ما أظنّ الساعة قائمة، صريح أن المخبر عنه من المشركين معيناً كان أو عاماً عموماً عرفياً.
فقيل المراد بالإنسان : المشركون كلّهم، وقيل أريد به مشرك معين، قيل هو الوليد بن المغيرة، وقيل عتبة بن ربيعة.
وأيًّا مَّا كان فالإخبار عن إنسان كافر.