"وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ" يا أكرم الرسل من القرآن فيه ما أوحينا به لمن قبلك "وَما" أي الذي "وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى " من قبلك عبارة عن أمرنا لهم "أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ" وأمروا أممكم بالاستقامة فيه وواظبوا عليه وشيدوا أركانه يحفظه من الزيغ وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية ١٩٤ من سورة الشعراء المارة في ج ١، وإنما ذكر تعالى هؤلاء الأنبياء دون غيرهم لأنهم من أولي العزم، ولأنهم أكثر الناس أتباعا، ولأنهم أصحاب الشرائع المعظمة، وقد ذكرهم اللّه تعالى في الآية ٧ من سورة الأحزاب مجتمعين أيضا، لأنهم خمسة لا سادس لهم على القول الصحيح،
وإن شأنهم في قدم النبوة أعلى من غيرهم وشهرتهم في الكون أكثر من غيرهم، ولأن جهادهم في استمالة قلوب الكفرة وأهل الزيغ بلغ الغاية القصوى، ولهذا فإن كلّا من الأمم متفقة على نبوتهم وحبهم عدا قسم من اليهود المنكرين نبوة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وتقدم البحث في هذا أيضا في الآية ٥٧ من سورة المؤمن المارة واعلم ممأنه لم يرسل نبي إلا وله شرع أمر بإقامته، وإن الدين عند اللّه هو دين الإسلام، دين إبراهيم عليه السلام أبي الأنبياء، وخاصة فيما لم يقع فيه اختلاف قط، وهي الأصول الثلاثة : التوحيد والنبوة والمعاد، وتوابع هذه الأصول ثلاثة أيضا : الإيمان بالكتب السماوية وبالقضاء والقدر والطاعة للرسل.
"وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ" لأن إقامته مع الاختلاف تؤدي إلى التفرقة وهي مذمومة في غير أمر الدّين فكيف به، هذا أمر اللّه عباده بإقامة الدين والاجتماع عليه، وتقدم بحث هذا أيضا في الآية ١٥٩ من سورة الأنعام المارة فراجعها.