واعلم أن في هذه الآية تعريضا بالكافرين وبعض أهل الكتاب الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض من الكتب السالفة والآيات القرآنية، ولهذا قال تعالى على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلم "وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ" فيما أمرني فيه ربي من الأحكام المنزلة عليّ من لدنه فلا أخص بعضا دون بعض،
وأبلغ شريعته جميع خلقه الذين أراهم بنفسي، وبالواسطة لمن لم أرهم، وأعدل بينكم في الخصومات إذا تحاكمتم لدي، فلا أجور ولا أحيف على أحد، ولا أخاصم أحدا إلا بالحق ولأجل الحق، لأن الذي أدعوكم إليه هو "اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ" ورب الخلق أجمع فكما لا يختص به واحد دون آخر لا يرضى أن يتميز أحد على أحد بدون الحق، فهذه خطتي التي أمرت بها يا قوم، فإن لم تقبلوا فتكون "لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ" لا تسألون عما أعمل ولا نسأل مما تعملون.
وهذه الجملة على حد قوله تعالى (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) الآية الأخيرة من سورة الكافرون في ج ١، وعلي حد قوله (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) الآية ٢٤ من سورة سبأ المارة، وإذ ظهر الحق الصريح فأقول لكم "لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ" ولا خصومة ولا محاججة وجاءت هنا الحجة بمعنى الاحتجاج وهي الأصل "اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا" فيجازي كلا على عمله "وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" ١٥ في الخصومات والمحاججات، ولا وجه لقول من قال بنسخ هذه الآية بآية السيف من المفسرين إذ ليس فيها ما يدل على المتاركة وإقرار الكفار على ما هم عليه من الكفر وإنما هي من باب التعريض راجع الآية ٢٥ من سورة سبأ المارة تجد مثل هذا.