قال تعالى "وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ" ويخاصمون في دينه "مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ" بعد استجابة الناس لدينه ودخولهم فيه فهولاء "حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ." باطلة زائلة مهجورة غير مقبولة "عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ" ١٦ في الآخرة، وهذه الآية عامة في كل من هذا شأنه من الناس أجمع، وما قيل إنها نزلت في كفار بدر بعد أن استجاب اللّه تعالى دعاء حضرة الرسول بظفره عليهم قول لا دليل لقائله عليه، لأن هذه الآية مكية بالاتفاق وواقعة بدر بعد الهجرة وهو لم يهاجر بعد وكذلك القول بحمل الاستجابة على استجابة أهل الكتاب لا يتجه لأن أهل الكتاب لم يباحثهم حضرة الرسول إلا في المدينة ولم يجب دعوته أحد منهم إلا فيها، لذلك فحمل الاستجابة على من أجابه لدين الحق وهو في مكة من أهل مكة، والمحاججون هم روساء الكفر أولى وأنسب في المقام.
قال تعالى "اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ" مفصلا فيه الدلائل
والأحكام ليجري عليه الناس "وَالْمِيزانَ" آلة العدل، لأن المراد به واللّه أعلم نفس العدل والإنصاف والتسوية بين الناس، أنزله أيضا وأمر خلقه فيه ليتحلوا به فيستقيم أمرهم ويعدلوا فيما بينهم.
راجع رسالة القسطاس المستقيم للإمام الغزالي رحمه اللّه تجد أن المراد بالميزان ما ذكرته، لأنه يقول في قوله تعالى (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) الآية ٧ من سورة الرحمن في ج ٣، إن هذا الميزان الذي قابله اللّه بالسماء لا يتصور أنه الذي يزن به الناس الخس والبصل مثلا، بل إنما هو العدل الذي به قوام الدنيا والآخرة إلخ، ما جاء فيها.