وعلى كل لا يقال إنه لا يجوز طلب الأجر على تبليغ الرسالة، لأن ذلك ممنوع إذا كان أجرا ماديا كالدراهم وغيرها، أما الكفّ عن أذية أهله وإرادة مودتهم فلا يسمى أجرا بالمعنى المتعارف، وعليه فإن طلب المودة في القربى ليس بأجر، فيرجع الحاصل على لا أجر البتة، ولهذا فلا ينتقد عليه إلا كما ينتقد على القول فيهم.
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
لأن هذا ليس بعيب يلام عليه، بل يمدح فيه، ولأن المودة بين المسلمين واجبة، فهي في أهل البيت أوجب، ولهذا كان الاستثناء متصلا.
أما من جعل الاستثناء منقطعا فقد ركن إلى تقدير فعل (تَوَدُّونَ) وعمد على الوقف على كلمة أجرا أي إلا أن تودوا أقاربي أو تقدير أذكركم المودة في القربى، والأول أولى كما ترى لما في الأخير من لزوم وتقدير ما الأمر في غنى عنه ولا حاجة فيه.
هذا ولا معنى لقول من قال إن هذه الآية منسوخة بآية (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ) الآية ٤٧ من سورة سبأ المارة، وهي آية مقدمة في النزول على هذه الآية لفظا ورتبة ومن المعلوم أن المقدم لا ينسخ المؤخر، راجع
بحث النسخ في المقدمة، وهذا من جملة المرامي التي من أجلها أقدمت على هذا التفسير المبارك ورتبته بحسب النزول ليعلم القارئ خطأ القائلين بنسخ أمثال هذه الآية متى ما عرف أنها متقدمة، لأن العلماء رحمهم اللّه أكثروا من أقوالهم بالنسخ ومنهم من تغالى فيه حتى خالف الأصول التي وضعت لمعرفة الناسخ والمنسوخ كهذه الآية وآيات الإخبار والوعد والوعيد وغيرها، سامحهم اللّه.
وليعلم أن مودته صلّى اللّه عليه وسلم وأقاربه وكفّ الأذى عنهم من فرائض الدين، فقد روي أنه لما نزلت هذه الآية قيل يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال علي وفاطمة وابناهما.


الصفحة التالية
Icon