قال تعالى "وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ" أوجد وفرق "فِيهِما مِنْ دابَّةٍ" هي لغة ما دبّ على وجه الأرض، وعرفا ذوات الأربع من الحيوان فقط "وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ" بعد تفرقهم وتشتتهم "إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ" ٢٩ وجاز إطلاق لفظ الدابة على من في السماء لأن الدبيب لغة المشي الخفيف ويحتمل أن يكون للملائكة مشي مع الطيران أو أن اللّه تعالى خلق فيها أنواعا من الملائكة أو أصنافا من الحيوانات يدبون دبّا كالإنسان، أو أن الملائكة أنفسهم قد يتمثون بالبشر فيمشون مشيا، لأن لهم التشكل بصور غير صورهم، كجبريل حينما تمثل للنبي مرة بصورة أعرابي في حديث الإيمان والإسلام والإحسان، ومرة بصورة دحية الكلبي، قال تعالى "وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" من الذنوب، لأن جل البلاء من الأوجاع والقحط والغرق والحرق وغيرها من المصائب يوجدها اللّه تعالى عقوبة لمقتر في الأعمال المكروهة، وقد يوجدها عفوا للثواب كما ذكر آنفا، وبما أن البشر هو المسبب لعملها نسبها اللّه إليه، وإلا في الحقيقة كل من عند اللّه، قال إبراهيم عليه السلام بعد أن نسب الهداية والطعام والشراب للّه تعالى "وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) الآية ٨٠ من سورة الشعراء ج ١، نسب الشفاء للّه كما نسب الإحياء والإماتة إليه، لأنها متحققة منه لا علاقة للعبد وغيره فيها البتة، ونسب المرض لنفسه لأن أكثر أسبابه من الأكل والشرب والحر والقر وإن كانت بإيجاد اللّه تعالى، إلا أنه هو المسبب لها باختياره ورغبته، و
هذا من قبيل التأدب مع اللّه تعالى، إذ ينبغي للعاقل أن ينسب الخير إلى اللّه والشر لنفسه، لأن اقترافه له برضاه وشهوته، وإن عقابه عليها من هذه الحيثية "وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ" ٣٠ من الذنوب فلا يعاقب عليها وعن كثير من خلقه فلا يجازيهم على سيئتهم.


الصفحة التالية
Icon