واعلم أن (وَيَعْلَمَ) في صدر هذه الآية جار على الاستئناف على قراءة نافع وابن عامر، وقرأ الباقون بالنصب عطفا على تعليل محذوف، أي لينتقم منهم وليعلم الذين يجادلون إلخ، "فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ" أيها الناس من الحطام "فَمَتاعُ الْحَياةِ" في هذه "الدُّنْيا" تتمتعون فيها به لانقضاء آجالكم، ثم تتركونه، وهذا مما يستوي فيه المؤمن والكافر "وَما عِنْدَ اللَّهِ" من الثواب الذي خبأه لكم بمقابل أعمالكم الصالحة "خَيْرٌ" من زخارف الدنيا وجاهها "وَأَبْقى " منها وأدوم وأحسن "لِلَّذِينَ آمَنُوا" بنعيم الآخرة "وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" ٣٦ في أمورهم كلها،
وما قيل إن هذه الآيات نزلت في أبي بكر رضي اللّه عنه حين تصدق بكل ماله لا يتجه، لأن هذه الآية مكية وهو رضي اللّه عنه تصدق بالمدينة لا بمكة، لهذا فإنها عامة في كل من اتصف بما جاء فيها، ويدخل فيها الصديق دخولا أوليا، لأنها غير مقيدة بزمان فتشمل كل من هذا شأنه إلى يوم القيامة.
ثم قسم اللّه تعالى عباده من جهة التحمل إلى ستة أقسام فقال أولا "وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ" كالشرك باللّه ونسبة الولد والزوجة إليه تعالى عن ذلك "وَ" يجتنبون "الْفَواحِشَ" كل ذنب عظيم قبحه يسمى فاحشا كالزنى واللواطة والقذف والسرقة من محل محرم والقتل عمدا، راجع تفصيلها في الآية ٣٢ من سورة الأعراف في ج ١ "وَإِذا ما غَضِبُوا" على من أساء إليهم "هُمْ يَغْفِرُونَ" ٣٧ إساءته لا يعاقبونه عليها ويكظمون غيظهم حلما وعفوا، فهؤلاء داخلون في قوله تعالى :