ورابعا المقابلة المعنية بقوله تعالى "وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ" عملها المساء إليه بالسيء هي أيضا "سَيِّئَةٌ مِثْلُها" لأنه إذا جازى الرجل من أساء إليه بمثل إساءته له فقد أساء أيضا، إلا أنه لا يجازى على ذلك، لأنها بالمقابلة بلا زيادة، لهذا سمى جزاء السيئة سيئة أيضا، لمشابهتها لها صورة وإلا فليست بسيئة حقيقة، وبما أن اللّه تعالى لا يرغب الانتصار للنفس ويحب العفو فقد سمى الانتصار سيئة، ولهذا أعقبها بقوله "فَمَنْ عَفا" عمن أساء إليه "وَأَصْلَحَ" بغض النظر عن العقوبة ولم يجابه خصمه بمثل سيئته "فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" ومن كان أجره على اللّه سعد وفاز، لأن اللّه تعالى يكافىء عن القليل كثيرا، ومن انتقم حرم من هذا الأجر العظيم، لأن الانتقام قد يقع فيه تعدي لأنه من الصعب أن يقابل التعدّي بمثله تماما، ولهذا حذر اللّه تعالى عن التعدي المستلزم للظلم، فختم هذه الآية بقوله عز قوله "إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" ٤٠ الذين يتجاوزون حد الانتصار والبادئين غيرهم بالظلم لا بالمقابلة، وعلى كل البادي أظلم.


الصفحة التالية
Icon