وأخرج أحمد وأبو داود عن أبي هريرة أن رجلا شتم أبا بكر رضي اللّه عنه والنبي صلّى اللّه عليه وسلم جالس فجعل عليه الصلاة والسلام يعجب ويتبسّم فلما أكثر رد عليه بعض قوله، فغضب النبي صلّى اللّه عليه وسلم وقام، فلحقه أبو بكر فقال يا رسول اللّه كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت ؟ قال إنه كان معك ملك يردّ عنك، فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان، ثم قال عليه الصلاة والسلام ثلاث من الحق : ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها للّه تعالى إلا أعزّ اللّه عز وجل بها نصره، وما فتح رجل باب عطية
يريد بها صلة إلا زاده اللّه تعالى بها كثرة، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده اللّه تعالى بها قلة.
وفي هذا الحديث تنبيه لأبي بكر رضي اللّه عنه على ترك الأولى والأخذ بالعزيمة، ولا وجه لقول من قال إن فيه عتبا من حضرة الرسول وهو فعل بعض ما وقع عليه، واللّه تعالى يقول في مثله (ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) الآية ٤١ المارة، لأن التنبيه شيء والعتب شيء آخر، وكذلك لا يعد لوما لأنه لم يقترن بقول الرسول له لم فعلت أو لم قابلته.
هذا وقد أمر صلّى اللّه عليه وسلم بعض الأشخاص برد الشتم فقد أخرج النسائي وابن ماجه وابن مردويه عن عائشة رضي اللّه عنها قالت : دخلت عليّ زينب رضي اللّه عنها وعندي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فأقبلت عليّ تسبني، فردعها النبي صلّى اللّه عليه وسلم فلم تنته، فقال لي سبّيها، وفي رواية دونك فانتصري، فسببتها حتى جفّ ريقها في فمها ووجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يتهلهل سرورا.
وهذا من قبيل التعزير لزينب بلسان عائشة، لما أن لها حقا في الرد، وقد رأى صلّى اللّه عليه وسلم المصلحة في ذلك ففوض إليها إقامة هذا الحق عنه.