وما قيل إن هذه الآية نزلت في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأن منهم لوطا وشعيا لم يرزقا إلا بنات وإبراهيم لم يرزق إلا ذكورا ومحمدا صلّى اللّه عليه وسلم ذكورا وإناثا وعيسى ويحيى لم يولد لهما، لا يتجه، لأن عيسى ويحيى لم يتزوجا، والآية عامة في جميع خلقه، وليس المراد من يزوجهم أن بولد ذكر وأنثى في بطن واحدة توءما كما قاله بعض المفسرين إذ لا دليل على التخصيص بل مجرد إعطائهم ذكورا وإناثا في بطن أو بطون متفرقين لا مجتمعين، كما هو الظاهر، واللّه أعلم.
وقدم اللّه تعالى الإناث على الذكور في هذه الآية لا لشرفهن ولكن لسياق التنزيل بأنه يفعل ما يشاء هو لا ما يشاءونه فصار تقديمهن أهم والأهم واجب التقديم، تدبر.
قال تعالى "وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ"
كما يكلم أحدكم صاحبه وما يكلمه جل شأنه "إِلَّا وَحْياً" إلهاما كما روي عنه صلّى اللّه عليه وسلم قوله فنفث في روعي، أو مناما كما وقع لإبراهيم عليه السلام في ذبح ولده، وكما ألهمت أم موسى بقذفه في البحر، قال صلّى اللّه عليه وسلم رؤيا الأنبياء وحي.
وما جاء أنه صلّى اللّه عليه وسلم كلم ربه ليلة الإسراء كما أشرنا إليه أول سورة الإسراء في ج ١ في بحث الإسراء والمعراج فهو مخصوص به دون سائر الأنبياء إذ ما من عموم إلا وخصص منه البعض، ولرؤيته صلّى اللّه عليه وسلم لربه عز وجل في الدنيا من خصوصياته أيضا وهي حق ثابت لا مرية فيها، ولم يره بالدنيا بعيني رأسه غيره ولم يكلمه أحد مشافهة مع الرؤية غيره أيضا.
وقد ثبت لموسى عليه السلام تكليم اللّه فقط من غير رؤية، وليعلم أن رؤية اللّه تعالى وتكليمه جل شأنه لا بوصفان بوصف، ولا يكيفان بكيفية، لأن النطق عاجز عن بيان ذلك، وهذا أنكر من أنكر لسوء ظنه ويقينه، وصدّق من صدق بحسن إيمانه وعقيدته، وهذا نوع من أنواع الوحي.