بالكلام الأول أن طالب الآخرة يكون حاله أبداً في الترقي والتزايد وبيّن بالكلام الثاني أن طالب الدنيا يكون حاله في المقام الأول في النقصان وفي المقام الثاني في البطلان التام الخامس : أن الآخرة نسيئة والدنيا نقد والنسيئة مرجوحة بالنسبة إلى النقد، لأن الناس يقولون النقد خير من النسيئة فبيّن تعالى أن هذه القضية انعكست بالنسبة إلى أحوال الآخرة والدنيا، فالآخرة وإن كانت نقداً إلا أنها متوجهة للزيادة والدوام فكانت أفضل وأكمل، والدنيا وإن كانت نقداً إلا أنها متوجهة إلى النقصان ثم إلى البطلان فكانت أخس وأرذل، فهذا يدل على أن حال الآخرة لا يناسب حال الدنيا ألبتة، وأنه ليس في الدنيا من أحوال الآخرة إلا مجرد الاسم كما هو مروي عن ابن عباس السادس : الآية دالة على أن منافع الآخرة والدنيا ليست حاضرة بل لا بد في البابين من الحرث، والحرث لا يتأتى إلا بتحمل المشاق في البذر ثم التسقية والتنمية والحصد ثم التنقية، فلما سمى الله كلا القسمين حرثاً علمنا أن كل واحد منهما لا يحصل إلا بتحمل المتاعب والمشاق، ثم بيّن تعالى أن مصير الآخرة إلى الزيادة والكمال وإن مصير الدنيا إلى النقصان ثم الفناء، فكأنه قيل إذا كان لا بد في القسمين جميعاً من تحمل متاعب الحراثة والتسمية والتنمية والحصد والتنقية، فلأن تصرف هذه المتاعب إلى ما يكون في التزايد والبقاء أولى من صرفها إلى ما يكون في النقصان والانقضاء والفناء.
المسألة الثانية :