وقوله :﴿ والذين يحاجون في الله ﴾ قال ابن عباس ومجاهد إنها نزلت في طائفة من بني إسرائيل همت برد الناس عن الإسلام وإضلالهم ومجادلتهم بأن قالوا : كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، فديننا أفضل، فنزلت الآية في ذلك، وقيل بل نزلت في قريش لأنها كانت أبداً تحاول هذا المعنى وتطمع في رد الجاهلية و: ﴿ يحاجون في الله ﴾ معناه في توحيد الله، أي يحاجون فيه بالإبطال والإلحاد وما أشبه، والضمير في :﴿ له ﴾ يحتمل أن يعود على ﴿ الله ﴾ تعالى، أي بعد ما دخل في دينه، ويحتمل أن يعود على الدين والشرع، ويحتمل أن يعود على محمد عليه السلام. و: ﴿ داحضة ﴾ معناه : زاهقة. والدحض : الزلق، وباقي الآية بيّن.
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧)
لما أنحى القول على الذين يحاجون في توحيد الله ويرومون إطفاء نوره، صدع في هذه الآية بصفة من أنزل الكتاب الهادي للناس. و: ﴿ الكتاب ﴾ هنا اسم جنس يعم جميع الكتب المنزلة.
وقوله :﴿ بالحق ﴾ يحتمل أن يكون المعنى بأن كان ذلك حقاً واجباً للمصلحة والهدى، ويحتمل أن يكون المعنى مضمناً الحق، أي بالحق في أحكامه وأوامره. و﴿ الميزان ﴾ هنا العدل، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والناس. وحكى الثعلبي عن مجاهد أنه قال : هو هنا الميزان الذي بأيدي الناس.
قال القاضي أبو محمد : ولا شك أنه داخل في العدل وجزء منه وكل شيء من الأمور، فالعدل فيه إنما هو بوزن وتقدير مستقيم، فيحتاج في الأجرام إلى آلة، وهي العمود والكفتان التي بأيدي البشر، ويحتاج في المعاني إلى هيئات في النفوس وفهوم توازن بين الأشياء.
وقوله :﴿ وما يدريك، لعل الساعة قريب ﴾ وعيد للمشركين، أي فانظر في أي غورهم وجاء لفظ :﴿ قريب ﴾ مذكراً من حيث تأنيث الساعة غير حقيقي، وإذ هي بمعنى الوقت.


الصفحة التالية
Icon