ثم قال تعالى :﴿وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع﴾ الأصل أن يقال أنذرت فلاناً بكذا فكان الواجب أن يقال لتنذر أم القرى بيوم الجمع وأيضاً فيه إضمار والتقدير لتنذر أهل أم القرى بعذاب يوم الجمع وفي تسميته بيوم الجمع وجوه الأول : أن الخلائق يجمعون فيه قال تعالى :﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجمع﴾ [ التغابن : ٩ ] فيجتمع فيه أهل السموات من أهل الأرض الثاني : أنه يجمع بين الأرواح والأجساد الثالث : يجمع بين كل عامل وعمله الرابع : يجمع بين الظالم والمظلوم وقوله ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ صفة ليوم الجمع الذي لا ريب فيه، وقوله ﴿فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير﴾ تقديره ليوم الجمع الذي من صفته يكون القوم فيه فريقين، فريق في الجنة وفريق في السعير، فإن قيل قوله ﴿يَوْمَ الجمع﴾ يقتضي كون القوم مجتمعين وقوله ﴿فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير﴾ يقتضي كونهم متفرقين، والجمع بين الصفتين محال، قلنا إنهم يجتمعون أولاً ثم يصيرون فريقين.
ثم قال :﴿وَلَوْ شَاءَ الله لَجَعَلهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ والمراد تقرير قوله
﴿والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾ [ الشورى : ٦ ] أي لا يكن في قدرتك أن تحملهم على الإيمان، فلو شاء الله ذلك لفعله لأنه أقدر منك، ولكنه جعل البعض مؤمناً والبعض كافراً، فقوله ﴿يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ﴾ يدل على أنه تعالى هو الذي أدخلهم في الإيمان والطاعة، وقوله ﴿والظالمون مَا لَهُمْ مّن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ يعني أنه تعالى ما أدخلهم في رحمته، وهذا يدل على أن الأولين إنما دخلوا في رحمته، لأنه كان لهم ولي ونصير أدخلهم في تلك الرحمة، وهؤلاء ما كان لهم ولي ولا نصير يدخلهم في رحمته.