ولما عظمه الأمر بالاجتماع، أتبعه التعظيم بالنهي عن الافتراق فقال :﴿ولا تتفرقوا﴾ أي تفرقاً عظيماً بما أشار إليه إثبات التاء، وكأن ذلك إشارة إلى التحذير من التفرق في الأصل وإذن في الاجتهاد على قدر القوة في الفرع ﴿فيه﴾ أي الدين في أوقات الرخاء عند التقلب في لذيذ ما أنعم به الشارع له الآمر به المرغب في اتباعه المرهب من اجتنابه، واجتمعوا على ما أرسله الذي أثبتم له جميع صفات الكمال عند الشدائد من غير خلاف أصلاً في شيء من الأشياء، فإن التفرق سبب الهلاك، والاجتماع سبب النجاة، فكونوا يداً واحدة يا أهل الكتاب قال تعالى ﴿يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ﴾.
ولما نهى عن التفرق، حث على لزوم الاجتماع اللازم به بتعليل النهي بقوله :﴿كبُر على المشركين﴾ أي جل وعظم وشق حتى ضاقت به صدورهم، وهو ﴿ما تدعوهم إليه﴾ أيها النبي الفاتح الخاتم من الاجتماع أبداً على ما اجتمعوا عليه وقت الاضطرار من وحدانية الواحد القهار، فلأجل كبره عليهم هم يسعون في تفرقكم عنه فإن تفرقتم عنه كنتم قد تابعتم العدو الحسود وخالفتم الولي الودود.
ولما كان الإخبار بكرّه عليهم ربنا أوهم اتباع أتباعهم له، أزال ذلك الوهم بقوله جواباً لمن كأنه قال : كيف السبيل مع ذلك إلى دخول أحد في هذا الدين، عادلاً عن مظهر العظمة إلى أعظم منه تعظيماً للقدرة على جميع القلوب :﴿الله﴾ أي الذي له مجامع العظمة ونفوذ الأمر ﴿يجتبي﴾ أي يختار بغاية العناية ويصرف ﴿إليه﴾ أي إلى هذا الدين الذي تدعوهم إليه ﴿من يشاء﴾ اجتباءه.


الصفحة التالية
Icon