وقال ابن عطية فى الآيات السابقة :
﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾
﴿ أم ﴾ هذه هي منقطعة لا معادلة، وهي بتقدير بل وألف الاستفهام. والشركاء في هذه الآية : يحتمل أن يكون المراد بهم الشياطين والمغوين من أسلافهم، ويكون الضمير في ﴿ لهم ﴾ للكفار المعاصرين لمحمد ﷺ، أي شرع الشركاء لهم ما لم يأذن به الله، فالاشتراك ها هنا هو في الكفر والغواية، وليس بشركة الإشراك بالله، ويحتمل أن يكون المراد ب " الشركاء " : الأصنام والأوثان على معنى : أم لهم أصنام جعلوها شركاء لله في ألوهيته، ويكون الضمير : في :﴿ شرعوا ﴾ لهؤلاء المعاصرين من الكفار ولآبائهم. والضمير في :﴿ لهم ﴾ للأصنام الشركاء، أي شرع هؤلاء الكفار لأصنامهم وأوثانهم ما لم يأذن به الله، و: ﴿ شرعوا ﴾ معناه : أثبتوا ونهجوا ورسموا. و﴿ الدين ﴾ هنا العوائد والأحكام والسيرة، ويدخل في ذلك أيضاً المعتقدات، لأنهم في جميع ذلك وضعوا أوضاعاً، فأما في المعتقدات فقولهم إن الأصنام آلهة، وقولهم إنهم يعبدون الأصنام زلفى وغير ذلك، وأما في الأحكام فكالبحيرة والوصيلة والحامي وغير ذلك من السوائب ونحوها، والإذن في هذه الآية الأمر. و﴿ كلمة الفصل ﴾ : هي ما سبق من قضاء الله تعالى بأنه يؤخر عقابهم إلى الآخرة والقضاء بينهم : هو عذابهم في الدنيا ومجازاتهم.
وقرأ جمهور الناس :" وإن الظالمين " بكسر الهمزة على القطع والاستئناف. وقرأ مسلم بن جندب " وأن الظالمين " بفتح الهمزة، وهي في موضع رفع عطف على :﴿ كلمة ﴾ المعنى : وأن الظالمين لهم في الآخرة عذاب.
وقوله :﴿ ترى الظالمين ﴾ هي رؤية بصر، و﴿ الظالمين ﴾ مفعول، و: ﴿ مشفقين ﴾ حال وليس لهم في هذا الإشفاق مدح، لأنهم إنما أشفقوا حين نزل بهم ووقع، وليسوا كالمؤمنين الذين هم في الدنيا مشفقون من الساعة كما تقدم.


الصفحة التالية
Icon