ثم قال تعالى :﴿ولكن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو ﴿يُنَزّل﴾ خفيفة والباقون بالتشديد، ثم نقول ﴿بِقَدَرٍ﴾ بتقدير يقال قدره قدراً وقدراً ﴿إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ﴾ يعني أنه عالم بأحوال الناس وبطباعهم وبعواقب أمورهم فيقدر أرزاقهم على وفق مصالحهم، ولما بيّن تعالى أنه لا يعطيهم ما زاد على قدر حاجتهم لأجل أنه علم أن تلك الزيادة تضرهم في دينهم بين أنهم إذا احتاجوا إلى الرزق فإنه لا يمنعهم منه فقال :﴿وَهُوَ الذى يُنَزّلُ الغيث مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ﴾ قرأ نافع وابن عامر وعاصم ﴿يُنَزّل﴾ مشددة والباقون مخففة، قال صاحب "الكشاف" : قرىء ﴿قَنَطُواْ﴾ بفتح النون وكسرها، وإنزال الغيث بعد القنوط أدعى إلى الشكر لأن الفرح بحصول النعمة بعد البلية أتم، فكان إقدام صاحبه على الشكر أكثر ﴿وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾ أي بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب، وعن عمر رضي الله عنه أنه قيل له "اشتد القحط وقنط الناس فقال : إذن مطروا" أراد هذه الآية، ويجوز أن يريد رحمته الواسعة في كل شيء كأنه قيل ينزل الرحمة التي هي الغيث وينشر سائر أنواع الرحمة ﴿وَهُوَ الولى الحميد﴾ ﴿الوالي﴾ الذي يتولى عباده بإحسانه و ﴿الحميد﴾ المحمود على ما يوصل للخلق من أقسام الرحمة، ثم ذكر آية أخرى تدل على إلهيته فقال :﴿وَمِنْ ءاياته خَلْقُ السموات والأرض وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ﴾ فنقول : أما دلالة خلق السموات والأرض على وجود الإله الحكيم فقد ذكرناها وكذلك دلالة وجود الحيوانات على وجود الإله الحكيم، فإن قيل كيف يجوز إطلاق لفظ الدابة على الملائكة ؟ قلنا فيه وجوه الأول : أنه قد يضاف الفعل إلى جماعة وإن كان فاعله واحداً منهم يقال بنو فلان فعلوا كذا، وإنما فعله واحد منهم ومنه قوله تعالى :﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾ [ الرحمن : ٢٢ ] الثاني : أن الدبيب هو الحركة،