وهذا التوكل إفراد لله بالتوجُّه إليه في كل ما تعجز عنه قدرة العبد، فإن التوجه إلى غيره في ذلك ينافي التوحيد لأن المشركين يتوكلون على آلهتهم أكثر من توكلهم على الله، ولكون هذا متمّماً لمعنى ( الذين آمنوا ) عطف على الصلة ولم يُؤت معه باسم موصول بخلاف ما ورد بعده.
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧)
أُتبع الموصول السابق بموصولات معطوففٍ بعضُها على بعض كما تعطف الصفات للموصوف الواحد، فكذلك عطف هذه الصلات وموصولاتها أصحابها متحدون وهم الذين آمنوا بالله وحده وقد تقدم نظيره عند قوله تعالى :﴿ الذين يؤمنون بالغيب ﴾ [ البقرة : ٣ ] ثم قوله :﴿ والذين يؤمنون بما أنزل إليك ﴾ الآية في سورة البقرة ( ٤ ).
والمقصود من ذلك : هو الاهتمام بالصلات فيكرر الاسم الموصول لتكون صلتُه معتنى بها حتى كأنَّ صاحبها المتّحد منزَّلٌ منزلة ذوات.
فالمقصود : ما عند الله خير وأبقى للمؤمنين الذين هذه صفاتهم، أي أتْبَعوا إيمانهم بها.
وهذه صفات للمؤمنين باختلاف الأحوال العارضة لهم فهي صفات متداخلة قد تجتمع في المؤمن الواحد إذا وُجدت أسبابها وقد لا تجتمع إذا لم توجد بعض أسبابها مثل ﴿ وأمرُهم شورى بينهم ﴾ ( ٣٨ ).
وقرأ الجمهور كبائر } بصيغة الجمع.
وقرأه حمزة والكسائي وخلَف ﴿ كَبِير ﴾ بالإفراد، فكبائر الإثم : الفعلات الكبيرة من جنس الإثم وهي الآثام العظيمة التي نهى الشرع عنها نهياً جازماً، وتوعد فاعلَها بعقاب الآخرة مثل القذف والاعتداء والبغي.
وعلى قراءة ﴿ كبيرة الإثم ﴾ مراد به معنى كبائر الإثم لأن المفرد لما أضيف إلى معرَّف بلام الجنس من إضافة الصفةِ إلى الموصوف كان له حكم ما أضيف هو إليه.


الصفحة التالية
Icon