و ﴿ الفواحش ﴾ : جمع فاحشة، وهي : الفعلة الموصوفة بالشناعة والتي شدد الدِّين في النهي عنها وتوعّد عليها بالعذاب أو وضعَ لها عقوبات في الدنيا للذي يُظهر عليه من فاعليها.
وهذه مثل قتل النفس، والزنا، والسرقة، والحرابة.
وتقدّم عند قوله :﴿ وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا ﴾ في سورة الأعراف ( ٢٨ ).
وكبائر الإثم والفواحش قد تدعو إليها القوة الشاهية.
ولما كان كثير من كبائر الإثم والفواحش متسبباً على القوة الغضبية مثل القتل والجراح والشتم والضرب أعقب الثناء على الذين يجتنبونها، فذكر أن من شيمتهم المغفرة عند الغضب، أي إمساك أنفسهم عن الاندفاع مع داعية الغضب فلا يغول الغضب أحلامهم.
وجيء بكلمة ﴿ إذَا ﴾ المضمنة معنى الشرط والدالّة على تحقق الشرط، لأن الغضب طبيعة نفسية لا تكاد تخلو عنه نفس أحد على تفاوت.
وجملة ﴿ وإذا ما غضبوا هم يغفرون ﴾ عطف على جملة الصلة.
وقدم المسند إليه على الخبر الفعلي في جملة ﴿ هم يغفرون ﴾ لإفادة التقوّي.
وتقييد المسند بـ ﴿ إذا ﴾ المفيدة معنى الشرط للدّلالة على تكرر الغفران كلما غضبوا.
والمقصود من هذا معاملة المسلمين بعضِهم مع بعض فلا يعارضه قوله الآتي ﴿ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ﴾ [ الشورى : ٣٩ ] لأن ذلك في معاملتهم مع أعداء دينهم.
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨)
هذا موصول آخر وصلة أخرى.
ومدلولهما من أعمال الذين آمنوا التي يدعوهم إليها إيمانهم، والمقصود منها ابتداءً هُم الأنصار، كما روي عن عبد الرحمن بن زيد.
ومعنى ذلك أنهم من المؤمنين الذين تأصل فيهم خُلق الشورى.


الصفحة التالية
Icon