ولما كان شرط المماثلة نادباً بعد شرع العدل الذي هو القصاص إلى العفو الذي هو الفصل لأن تحقق المثلية من العبد الملزوم للعجز لا يكاد يوجد، سبب عنه قوله :﴿فمن عفا﴾ أي بإسقاط حقه كله أو بالنقص عنه لتتحقق البراءة مما حرم من المجاوزة ﴿وأصلح﴾ أي أوقع الإصلاح بين الناس بالعفو والإصلاح لنفسه ليصلح الله ما بينه وبين الناس، فيكون بذلك منتصراً من نفسه لنفسه ﴿فأجره على الله﴾ أي المحيط بجميع صفات الكمال فهو يعطيه على حسب ما يقتضيه مفهوم هذا الاسم الأعظم، وهذا سر لفت الكلام إليه عن مظهر العظمة وقوله ـ ﷺ ـ :" ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ".
ولما كان هذا ندباً إلى العفو بعد المدح بالانتصار، بين أن علته كراهة أن يوضع شيء في غير محله لأنه لا يعلم المماثلة في ذلك إلا الله، فقال مضمراً إشارة إلى أن المثلية من الغيب الخفي مؤكداً لكف النفس لما لها من عظم الاسترسال في الانتصار :﴿إنه لا يحب الظالمين﴾ أي لا يكرم الواضعين للشيء في غير محله دأب من يمشي في مأخذ الاشتقاق إذا كان عريقاً في ذلك سواء كان ابتداء أو مجاوزة في الانتقام بأخذ الثأر.
ولما كان هذا ساداً لباب الانتصار لما يشعر به من أنه ظلم على كل، قال مؤكداً نفياً لهذا الإشعار :﴿ولمن انتصر﴾ أي سعى في نصر نفسه بجهده ﴿بعد ظلمه﴾ أي بعد ظلم الغير له وليس قاصد البعد عن حقه ولو استغرق انتصاره جميع زمان البعد.
ولما بين تعالى ما لذلك الناظر في مصالح العباد المنسلخ من خط نفسه إحساناً إلى عباد الله من الرتبة العليا، بين ما لهذا الذاب عن نفسه القاصد لشفاء صدره وذهاب غيظه، فقال رابطاً للجزاء بفاء السبب بياناً لقصور نظره على دفع الظلم عن نفسه، ويجوز كون ﴿من﴾ موصولة والفاء لما للموصول من شبه الشرط.