ولما عبر أولاً بالإفراد فكان ربما قصر الإذن على الواحد لئلا تعظم الفتنة، جمع إشارة إلى أن الفتنة إنما هي في إقرار الظلم لا في نصر المظلوم واحداً كان أو جماعة فقال :﴿فأولئك﴾ أي المنتصرون لأجل دفع ظلم الظالم عنهم فقط ﴿ما عليهم﴾ وأكد بإثبات الجار فقال :﴿من سبيل﴾ أي عقاب ولا عتاب، وروى النسائي وابن ماجه عن عائشة ـ رضى الله عنه ـ ا قالت :" ما علمت حتى دخلت عليَّ زينب ـ رضى الله عنه ـ ا بغير إذن وهي غضبى ثم أقبلت عليّ فأعرضت عنها حتى قال النبي ـ ﷺ ـ : دونك فانتصري، فأقبلت عليها حتى رأيتها قد يبس ريقها في فيها ما ترد عليّ شيئاً، فرأيت النبي ـ ﷺ ـ يتهلل وجهه ".
ولما نفى السبيل عنه بعد تشوف السامع إلى موضع ما أشعر به الكلام السابق من الظلم، بين ذلك فقال :﴿إنما السبيل﴾ أي الطريق السالك الي لا منع منه أصلاً بالحرج والعنت ﴿على﴾ وجمع إعلاماً بكثرة المفسدين تجرئة على الانتصار منهم وإن كانوا كثيراً فإن الله خاذلهم فقال :﴿الذين يظلمون الناس﴾ أي يوقعون بهم ظلمهم تعمداً عدواناً ﴿ويبغون﴾ أي يتجاوزن الحدود ﴿في الأرض﴾ بما يفسدها بعد إصلاحها بتهيئتها للصلاح طبعاً وفعلاً وعلماً وعملاً.
ولما كان الفعل قد يكون بغياً وإن كان مصحوباً بحق كالانتصار المقترن بالتعدي فيه قال :﴿بغير الحق﴾ أي الكامل ولما أثبت عليهم بهذا الكلام السبيل، كان السامع جديراً بأن يسأل عنه فقال :﴿أولئك﴾ أي البغضاء البعداء من الله ﴿لهم عذاب أليم﴾ أي مؤلم بما آلموا من ظلموه من عباد الله بحيث يعم إيلامه أبدانهم وأرواحهم بما لها من المشاعر الظاهرة والباطنة.