ثم قال تعالى :﴿وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ﴾ أي ظالم الظالم إياه، وهذا من باب إضافة المصدر إلى المفعول ﴿فَأُوْلَئِكَ﴾ يعني المنتصرين ﴿مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ﴾ كعقوبة ومؤاخذة لأنهم أتوا بما أبيح لهم من الانتصار واحتج الشافعي رضي الله تعالى عنه بهذه الآية في بيان أن سراية القود مهدرة، فقال الشرع إما أن يقال إنه أذن له في القطع مطلقاً أو بشرط عدم السريان، وهذا الثاني باطل لأن الأصل في القطع الحرمة، فإذا كان تجويزه معلقاً بشرط أن لا يحصل منه السريان، وكان هذا الشرط مجهولاً وجب أن يبقى ذلك القطع على أصل الحرمة، لأن الأصل فيها هو الحرمة، والحل إنما يحصل معلقاً على شرط مجهول فوجب أن يبقى ذلك أصل الحرمة، وحيث لم يكن كذلك علمنا أن الشرع أذن له في القطع كيف كان سواء سرى أو لم يسر، وإذا كان كذلك وجب أن لا يكون ذلك السريان مضموناً لأنه قد انتصر من بعد ظلمه فوجب أن لا يحصل لأحد عليه سبيل.
ثم قال :﴿إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس﴾ أي يبدأون بالظلم ﴿وَيَبْغُونَ فِى الأرض بِغَيْرِ الحق أولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
ثم قال تعالى :﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور﴾ والمعنى ﴿ولمن صبر﴾ بأن لا يقتص ﴿وغفر﴾ وتجاوز ﴿فإن ذلك﴾ الصبر والتجاوز ﴿لمن عزم الامور﴾ يعني أن عزمه على ترك الانتصار لمن عزم الأمور الجيدة وحذف الراجع لأنه مفهوم كما حذف من قولهم السمن منوان بدرهم ويحكى أن رجلاً سب رجلاً في مجلس الحسن فكان المسبوب يكظم ويعرق فيمسح العرق ثم قام وتلا هذه الآية، فقال الحسن عقلها والله وفهمها لما ضيعها الجاهلون. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٧ صـ ١٥٣ ـ ١٥٦﴾