وقال القرطبى :
الثانية قوله تعالى :﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾
قال العلماء : جعل الله المؤمنين صِنفين ؛ صنف يعفون عن الظالم فبدأ بذكرهم في قوله :﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾.
وصنف ينتصرون من ظالمهم.
ثم بين حدّ الانتصار بقوله :﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ فينتصر ممن ظلمه من غير أن يعتدي.
قال مقاتل وهشام بن حُجَير : هذا في المجروح ينتقم من الجارح بالقصاص دون غيره من سب أو شتم.
وقاله الشافعي وأبو حنيفة وسفيان.
قال سفيان : وكان ابن شُبْرُمَة يقول : ليس بمكة مثل هشام.
وتأوّل الشافعي في هذه الآية أن للإنسان أن يأخذ من مال من خانه مثل ما خانه من غير علمه ؛ واستشهد في ذلك بقول النبي ﷺ لهند زوج أبي سفيان :" خذي من ماله ما يكفيك وولدك " فأجاز لها أخذ ذلك بغير إذنه.
وقد مضى الكلام في هذا مستوفى في "البقرة".
وقال ابن أبي نجيح : إنه محمول على المقابلة في الجراح.
وإذا قال : أخزاه الله أو لعنه الله أن يقول مثله.
ولا يقابل القذف بقذف ولا الكذب بكذب.
وقال السُّدِّي : إنما مدح الله من انتصر ممن بغى عليه من غير اعتداء بالزيادة على مقدار ما فعل به ؛ يعني كما كانت العرب تفعله.
وسُمي الجزاء سيئةً لأنه في مقابلتها ؛ فالأوّل ساء هذا في مال أو بدن، وهذا الاقتصاص يسوءه بمثل ذلك أيضاً ؛ وقد مضى هذا كله في "البقرة" مستوفى.
الثالثة قوله تعالى :﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾ قال ابن عباس : من ترك القصاص وأصلح بينه وبين الظالم بالعفو ﴿ فَأَجْرُهُ عَلَى الله ﴾ أي إن الله يأجره على ذلك.
قال مقاتل : فكان العفو من الأعمال الصالحة.
وقد مضى في "آل عمران" في هذا ما فيه كفاية، والحمد لله.


الصفحة التالية
Icon