وذكر أبو نعيم الحافظ عن علي بن الحسين رضي الله عنهم قال : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أيكم أهل الفضل؟ فيقوم ناس من الناس ؛ فيقال : انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة ؛ فيقولون إلى أين؟ فيقولون إلى الجنة ؛ قالوا قبل الحساب؟ قالوا نعم قالوا من أنتم؟ قالوا أهل الفضل ؛ قالوا وما كان فضلكم؟ قالوا كنا إذا جُهل علينا حَلِمنا وإذا ظُلمنا صَبَرْنَا وإذا سِيء إلينا عفونا ؛ قالوا ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين.
وذكر الحديث.
﴿ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين ﴾ أي مَن بدأ بالظلم ؛ قاله سعيد بن جبير.
وقيل : لا يحبّ مَن يتعدى في الاقتصاص ويجاوز الحد ؛ قاله ابن عيسى.
الرابعة قوله تعالى :﴿ وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ ﴾ أي المسلم إذا انتصر من الكافر فلا سبيل إلى لَوْمه، بل يُحمد على ذلك مع الكافر.
ولا لوم إن انتصر الظالم من المسلم ؛ فالانتصار من الكافر حتم، ومن المسلم مباح، والعفو مندوب.
الخامسة في قوله تعالى :﴿ وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ فأولئك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ ﴾ دليلٌ على أن له أن يستوفي ذلك بنفسه.
وهذا ينقسم ثلاثة أقسام : أحدها أن يكون قصاصاً في بدن يستحقه آدمي، فلا حرج عليه إن استوفاه من غير عدوان وثبت حقه عند الحكام، لكن يزجره الإمام في تفوته بالقصاص لما فيه من الجرأة على سفك الدم.
وإن كان حقه غير ثابت عند الحاكم فليس عليه فيما بينه وبين الله حرج، وهو في الظاهر مطالب وبفعله مؤاخذ ومعاقب.
القسم الثاني أن يكون حدّ الله تعالى لا حق لآدمي فيه كحدّ الزنى وقطع السرقة ؛ فإن لم يثبت ذلك عند حاكم أخذ به وعوقب عليه، وإن ثبت عند حاكم نُظر، فإن كان قطعاً في سرقة سقط به الحدّ لزوال العضو المستحق قطعه، ولم يجب عليه في ذلك حق لأن التعزير أدب، وإن كان جلداً لم يسقط به الحدّ لتعدّيه مع بقاء محله فكان مأخوذاً بحكمه.