قال : ولست آخذ بما روِي عن سحنون ؛ لأن الظلم لا أسوة فيه، ولا يلزم أحد أن يولج نفسه في ظلم مخافة أن يضاعف الظلم على غيره، والله سبحانه يقول :﴿ إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس ﴾.
التاسعة واختلف العلماء في التحليل ؛ فكان ابن المُسَيِّب لا يحلل أحداً من عِرض ولا مال.
وكان سليمان بن يَسار ومحمد بن سِيرين يحللان من العِرض والمال.
ورأى مالك التحليل من المال دون العرض.
روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك وسئل عن قول سعيد بن المسيب "لا أحلل أحداً" فقال : ذلك يختلف ؛ فقلت له يا أبا عبد الله، الرجلُ يسلف الرجلَ فيهلك ولا وفاء له؟ قال : أرى أن يحلله وهو أفضل عندي ؛ فإن الله تعالى يقول :﴿ الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ [ الزمر : ١٨ ].
فقيل له : الرجل يظلم الرجل؟ فقال : لا أرى ذلك، هو عندي مخالف للأوّل ؛ يقول الله تعالى :﴿ إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس ﴾ ويقول تعالى :﴿ مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ ﴾ فلا أرى أن يجعله من ظلمه في حِلّ.
قال ابن العربي : فصار في المسألة ثلاثة أقوال : أحدها لا يحلّله بحالٍ ؛ قاله سعيد بن المسيّب.
الثاني يحلّله ؛ قاله محمد بن سيرين.
الثالث إن كان مالاً حلّله وإن كان ظلماً لم يحلله ؛ وهو قول مالك.
وجه الأوّل ألاّ يحلل ما حرّم الله ؛ فيكون كالتبديل لحكم الله.
ووجه الثاني أنه حقه فله أن يسقط كما يسقط دمَه وعرْضه.
ووجه الثالث الذي اختاره مالك هو أن الرجل إذا غلب على أداء حقك فمن الرفق به أن يتحلله، وإن كان ظالماً فمن الحق ألا تتركه لئلا تغتر الظلمة ويسترسلوا في أفعالهم القبيحة.