وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٣٢) ﴾
لما ذكر تعالى من دلائل وحدانيته أنواعاً، ذكر بعدها العالم الأكبر، وهو السموات والأرض ؛ ثم العالم الأصغر، وهو الحيوان.
ثم اتبعه بذكر المعاد، أتبعه بذكر السفن الجارية في البحر، لما فيها من عظيم دلائل القدرة، من جهة أن الماء جسم لطيف شفاف يغوص فيه الثقيل، والسفن تشخص بالأجسام الثقيلة الكثيفة، ومع ذلك جعل تعالى للماء قوة يحملها بها ويمنع من الغوص.
ثم جعل الرياح سبباً لسيرها.
فإذا أراد أن ترسو، أسكن الريح، فلا تبرح عن مكانها.
والجواري : جمع جارية، وأصله السفن الجواري، حذف الموصوف وقامت صفته مقامه، وحسن ذلك قوله :﴿ في البحر ﴾، فدل ذلك على أنها صفة للسفن، وإلا فهي صفة غير مختصة، فكان القياس أن لا يحذف الموصوف ويقوم مقامه.
ويمكن أن يقال : إنها صفة غالبة، كالأبطح، فجاز أن تلي العوامل بغير ذكر الموصوف.
وقرىء : الجواري بالياء ودونها، وسمع من العرب الأعراب في الراء، وفي البحر متعلق بالجواري، وكالأعلام في موضع الحال، والأعلام : الجبال، ومنه قول الخنساء أخت صخر ومعاوية :
وإن صخراً التأتم الهداة به...
كأنه علم في رأسه نار
ومنه :
إذا قطعن علماً بدا علم...
وقرأ جمهور السبعة :﴿ الريح ﴾ إفراداً، ونافع : جمعاً، وقرأ الجمهور :﴿ فيظللن ﴾ بفتح اللام، وقرأ قتادة : بكسرها، والقياس الفتح، لأن الماضي بكسر العين، فالكسر في المضارع شاذ.
وقال الزمخشري : من ظل يظل ويظل، نحو ضل يضل ويضل. انتهى.
وليس كما ذكر، لأن يضل بفتح العين من ضللت بكسرها في الماضي، ويضل بكسرها من ضللت بفتحها في الماضي، وكلاهما مقيس.
﴿ لكل صبار ﴾ على بلائه، ﴿ شكور ﴾ لنعمائه.
﴿ أو يوبقهن ﴾ : يهلكهن، أي الجواري، وهو عطف على يسكن، والضمير في ﴿ كسبوا ﴾ عائد على ركاب السفن، أي بذنوبهم.


الصفحة التالية