وروي أن رجلاً قال لموسى : يا موسى سل الله لي في حاجة يقضيها لي هو أعلم بها ؛ ففعل موسى ؛ فلما نزل إذ هو بالرجل قد مزّق السّبْع لحمه وقتله ؛ فقال موسى : ما بال هذا يا رب؟ فقال الله تبارك وتعالى له : يا موسى إنه سألني درجة علمت أنه لم يبلغها بعمله فأصبته بما ترى لأجعلها وسيلة له في نيل تلك الدرجة.
فكان أبو سليمان الدَّارَاني إذا ذكر هذا الحديث يقول : سبحان من كان قادراً على أن ينيله تلك الدرجة بلا بلوى! ولكنه يفعل ما يشاء.
قلت : ونظير هذه الآية في المعنى قوله تعالى :﴿ مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ ﴾ [ النساء : ١٢٣ ] وقد مضى القول فيه.
قال علماؤنا : وهذا في حق المؤمنين، فأما الكافر فعقوبته مؤخرة إلى الآخرة.
وقيل : هذا خطاب للكفار، وكان إذا أصابهم شرّ قالوا : هذا بشؤم محمد ؛ فردّ عليهم وقال بل ذلك بشؤم كفركم.
والأوّل أكثر وأظهر وأشهر.
وقال ثابت البُنانِيّ : إنه كان يقال ساعات الأذى يذهبن ساعات الخطايا.
ثم فيها قولان : أحدهما أنها خاصة في البالغين أن تكون عقوبة لهم، وفي الأطفال أن تكون مثوبة لهم.
الثاني أنها عقوبة عامة للبالغين في أنفسهم والأطفال في غيرهم من والد ووالدة.
﴿ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ ﴾ أي عن كثير من المعاصي ألا يكون عليها حدود ؛ وهو مقتضى قول الحسن.
وقيل : أي يعفو عن كثير من العصاة ألاّ يعجل عليهم بالعقوبة.
﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض ﴾ أي بفائتين الله ؛ أي لن تعجزوه ولن تفوتوه ﴿ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ تقدّم في غير موضع. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon