عندي ما قاله "صاحب الكشف" قدس سره أن الآية لا تنفع منكر الرؤية ولا مثبتها وما ذكر من سبب النزول ليس بمتيقن الثبوت، ويفهم من كلام بعضهم أن الوحي كما يكون بالإلقاء في الروع يكون بالخط فقد قال النخعي كان في الأنبياء عليهم السلام من يخط له في الأرض، ومعناه اللغوي يشمل ذلك، فقد قال الإمام أبو عبد الله التيمي الأصبهاني : الوحي أصله التفهيم وكل ما فهم به شيء من الإلهام والإشارة والكتب فهو وحي، وقال الراغب : أصل الوحي الإشارة السريعة ولتضمن السرعة قيل أمر وحي وذلك يكون بالكلام على الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب وبإشارة ببعض الجوارح وبالكتابة، وقد حمل على ذلك قوله تعالى :
﴿ فأوحى إِلَيْهِمْ أَن سَبّحُواْ بُكْرَةً ﴾ [ مريم : ١١ ] فقد قيل رمز وقيل اعتبار وقيل كتب وجعل التسخير من الوحي أيضاً وحمل عليه قوله تعالى :﴿ وأوحى رَبُّكَ إلى النحل ﴾ [ النحل : ٦٨ ] وسيأتي إن شاء الله تعالى ما للصوفية قدست أسرارهم من الكلام في هذه الآية، و﴿ وَحْياً ﴾ على ما قال الزمخشري مصدر واقع موقع الحال وكذا أن يرسل لأنه بتأويل إرسالاً، و﴿ مِن وَرَاء حِجَابٍ ﴾ ظرف واقع موقع الحال أيضاً كقوله تعالى :﴿ وعلى جُنُوبِهِمْ ﴾ [ آل عمران : ١٩١ ] والتقدير وما صح أن يكلم أحداً في حال من الأحوال إلا موحياً أو مسمعاً من وراء حجاب أو مرسلاً.
وتعقبه أبو حيان فقال : وقوع المصدر حالاً لا ينقاس فلا يجوز جاء زيد بكاءً تريد باكياً، وقاس منه المبرد ما كان نوعاً للفعل نحو جاء زيد مشياً أو سرعة ومنع سيبويه من وقوع أن مع الفعل موقع الحال فلا يجوز جاء زيد أن يضحك في معنى ضحكاً الواقع موقع ضاحكاً.