وتفصيلُ المعنى : أنه عليم بالأسباب والقُوى والمؤثرات التي وضعها في العوالم، وبتوافق آثار بعضها وتخالف بعض، وكيف تتكون الكائنات على نحو ما قُدِّر لها من الأوضاع، وكيف تتظاهر فتأتي الآثار على نسق واحد، وتتمانع فينقص تأثير بعضها في آثاره بسبب ممانعة مؤثراتتٍ أخرى، وكل ذلك من مظاهر علمه تعالى في أصل التكوين العالمي ومظاهر قدرته في الجري على وفاق علمه.
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا
عطف على ما سبق من حكاية ترّهاتهم عطفَ القصة على القصة وهو عود إلى إبطال شُبَه المشركين التي أشار إليها قوله تعالى :﴿ كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ﴾ [ الشورى : ٣ ]، وقوله تعالى :﴿ كَبُر على المشركين ما تدعُوهم إليه ﴾ [ الشورى : ١٣ ]، وقد أشرنا إلى تفصيل ذلك فيما تقدم، ويزيده وضوحاً قوله عقبه ﴿ وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ﴾ [ الشورى : ٥٢ ].
وهذه الآية تبطل الشبهة الثانية فيما عددناه من شبهاتهم في كون القرآن وحياً من الله إلى محمد ﷺ إذ زعموا أن محمداً ﷺ لو كان مرسلاً من الله لكانت معه ملائكة تصدق قوله أو لأنزل عليه كتاب جاهز من السماء يشاهدون نزوله قال تعالى :﴿ وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه مَلَك فيكون معه نذيراً ﴾ [ الفرقان : ٧ ] وقال ﴿ وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً ﴾ إلى أن قال :﴿ ولن نؤمن لِرُقيّكَ حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه ﴾ [ الإسراء : ٩٠ ٩٣ ].
وإذ قد كان أهم غرض هذه السورة إثبات كون القرآن وحيا من الله إلى محمد ﷺ كما أوحي من قبله للرسل كان العود إلى ذلك من قبيل ردّ العجز على الصدر.


الصفحة التالية
Icon