فبيَّن الله للمكذبين أن سنة الله في خطاب رسله لا تعدو ثلاثة أنحاء من الخطاب، منها ما جاء به القرآن فلم يكن ذلك بدعاً مما جاءت به الرسل الأولون وما كان الله ليخاطب رسله على الأنحاء التي اقترحها المشركون على النبي ﷺ فجيء بصيغة حصر مفتتحة بصيغة الجحود المفيدة مبالغة النفي وهي ﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله ﴾ أي لم يتهيّأ لأحد من الرسل أن يأتيه خطاب من الله بنوع من هذه الثلاثة.
ودل ذلك على انتفاء أن يكون إبلاغ مراد الله تعالى لأمم الرسل بغير أحد هذه الأنواع الثلاثة أعني خصوص نوع إرسال رسول، بدلالة فحوى الخطاب فإنه إذا كان الرسل لا يخاطبهم الله إلاّ بأحد هذه الأنحاء الثلاثة فالأمم أولى بأن لا يخاطبوا بغير ذلك من نحو ما سأله المشركون من رؤية الله يخاطبهم، أو مجيء الملائكة إليهم بل لا يتوجه إليهم خطاب الله إلاّ بواسطة رسول منهم يتلقى كلام الله بنحو من الأنحاء الثلاثة وهو مما يدخل في قوله :﴿ أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء ﴾ فإن الرسول يكون مَلَكاً وهو الذي يبلّغ الوحي إلى الرسُل والأنبياء.
وخطاب الله الرسل والأنبياءَ قد يكون لقصد إبلاغهم أمراً يصلحهم نحو قوله تعالى :﴿ يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً ﴾ [ المزمل : ١، ٢ ]، وقد يكون لإبلاغهم شرائع للأمم مثل معظم القرآن والتوراة، أو إبلاغهم مواعظ لهم مثل الزبور ومجلة لقمان.
والاستثناء في قوله :﴿ إلا وحياً ﴾ استثناء من عموم أنواع المتكلم التي دلّ عليها الفعل الواقع في سياق النفي وهو ﴿ ما كان لبشر أن يكلمه الله ﴾.
فانتصاب ﴿ وحياً ﴾ على الصفة لمصدر محذوف دل عليه الاستثناء، والتقدير : إلا كلاماً وحياً أي موحًى به كما تقول : لا أكلمه إلاّ جهراً، أو إلا إخفاتاً، لأن الجهر والإخفات صفتان للكلام.


الصفحة التالية
Icon