والمراد بالتكلم بلوغ مراد الله إلى النبي سواء كان ذلك البلوغ بكلام يسمعه ولا يَرى مصدره أو بكلام يبلغه إليه المَلَكُ عن الله تعالى، أو بعلم يُلقى في نفس النبي يوقن بأنه مراد الله بعلم ضروري يجعله الله في نفسه.
وإطلاق الكلام على هذه الثلاثة الأنواع : بعضُه حقيقة مثل ما يسمعه النبي كما سمع موسى، وبعضه مجاز قريب من الحقيقة وهو ما يبلغه إلى النبي فإنه رسالة بكلام، وبعضه مجاز محض وهو ما يلقى في قلب النبي مع العلم، فإطلاق فعل ﴿ يكلمه ﴾ على جميعها من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه على طريقة استعمال المشترك في معانيه.
وإسناد فعل ﴿ يكلمه ﴾ إلى الله إسناد مجازي عقلي.
وبهذا الاعتبار صار استثناء الكلام الموصوف بأنه وحي استثناء متصلاً.
وأصل الوحي : الإشارة الخفيّة، ومنه ﴿ فأوحى إليهم أن سبحوا بكرةً وعشياً ﴾ [ مريم : ١١ ].
ويطلق على ما يجده المرء في نفسه دفعة كحصول معنى الكلام في نفس السامع قال عبيد بن الأبرص :
وأوحى إليَّ الله أنْ قد تآمَرُوا
بِإبْللِ أبي أوْفَى فقُمْتُ على رِجْلِ...
وهذا الإطلاق هو المراد هنا بقرينة المقابلة بالنوعين الآخرين.
ومِن هنا أطلق الوحي على ما فطر الله عليه الحيوان من الإلهام المتقن الدقيق كقوله :﴿ وأوحى ربُّك إلى النحل ﴾ [ النحل : ٦٨ ].
فالوحي بهذا المعنى نوع من أنواع إلقاء كلام الله إلى الأنبياء وهو النوع الأول في العدّ، فأطلق الوحي على الكلام الذي يسمعه النبي بكيفية غير معتادة وهذا الإطلاق من مصطلح القرآن وهو الغالب في إطلاقات الكتاب والسنة ومنه قول زيد بن ثابت "فعَلمْتُ أنه يُوحَى إليه ثم سُرِّي عنه" فقرأ ﴿ غير أولي الضرر ﴾ [ النساء : ٩٥ ]، ولم يقل فنزل إليه جبريل.
والوحي بهذا المعنى غير الوحي الذي سيجيء في قوله :﴿ أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء ﴾.