والمراد بالوحي هنا : إيقاع مراد الله في نفس النبي يحصل له به العلم بأنه من عند الله فهو حجة للنبيء لمكان العلم الضروري، وحجة للأمة لمكان العِصمة من وسوسة الشيطان، وقد يحصل لغير الأنبياء ولكنه غير مطرد ولا منضبط مع أنه واقع وقد قال النبي ﷺ " قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم مُحَدَّثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فعُمرُ بن الخطاب " قال ابن وهب : محدَّثون : مُلْهَمُون.
ومن هذا الوحي مرائي الأنبياء فإنها وحي، وهي ليست بكلام يلقَى إليهم، ففي الحديث " إني رأيت دار هجرتكم وهي في حرّة ذاتتِ نخل فوقع في وَهْلِي أنها اليمامة أو هَجر فإذا هي طابة ".
وقد تشتمل الرؤيا على إلهام وكلام مثل حديث " رأيتُ بَقَراً تُذبح ورأيتُ والله خير " في رواية رفع اسم الجلالة، أي رأيت هذه الكلمة، وقد أول النبي ﷺ رؤياه البقرَ التي تذبح بما أصاب المسلمين يومَ أحد، وأمّا "والله خير" فهو ما أتى الله به بعد ذلك من الخير.
ومن الإلهام مَرائي الصالحين فإنها جزء من ستة وأربعين جُزءاً من النبوءة.
وليس الإلهام بحجة في الدّين لأن غير المعصوم لا يوثق بصحة خواطره إذ ليس معصوماً من وسوسة الشيطان.
وبعض أهل التصوف وحكماء الإشراق يأخذون به في خاصّتهم ويدَّعون أن أمارات تميز لهم بين صادق الخواطر وكاذبها ومنه قول قطب الدين الشيرازي في ديباجة شرحه على "المفتاح" " إني قد ألقي إليَّ على سبيل الإنذار من حضرة الملك الجبار بلسان الإلهام لا كوَهَم من الأوهام " إلى أن قال " ما أورثني التجافي عن دار الغرور ".
ومنه ما ورد في قول النبي ﷺ " إنَّ رُوح القُدُس نَفَثَ في رُوعي أنَّ نفساً لن تموت حتّى تستوفيَ أجلها ورزقَها " على أحد تفسيرين فيه، ولا ريب في أنه المراد هنا لأن ألفاظ هذا الحديث جَرَتْ على غير الألفاظ التي يُحكى بها نزول الوحي بواسطة كلام جبريل عليه السلام.


الصفحة التالية
Icon