فصل
قال الفخر :
ولما بيّن الله تعالى كيفية أقسام الوحي إلى الأنبياء عليهم السلام، قال :﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا﴾ والمراد به القرآن وسماه روحاً، لأنه يفيد الحياة من موت الجهل أو الكفر.
ثم قال تعالى :﴿مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان﴾ واختلف العلماء في هذه الآية مع الإجماع على أنه لا يجوز أن يقال الرسل كانوا قبل الوحي على الكفر، وذكروا في الجواب وجوهاً الأول :﴿مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب﴾ أي القرآن ﴿وَلاَ الإيمان﴾ أي الصلاة، لقوله تعالى :﴿وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إيمانكم﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] أي صلاتكم الثاني : أن يحمل هذا على حذف المضاف، أي ما كنت تدري ما الكتاب ومن أهل الإيمان، يعني من الذي يؤمن، ومن الذي لا يؤمن الثالث : ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان حين كنت طفلاً في المهد الرابع : الإيمان عبارة عن الإقرار بجميع ما كلف الله تعالى به، وإنه قبل النبوّة ما كان عارفاً بجميع تكاليف الله تعالى، بل إنه كان عارفاً بالله تعالى، وذلك لا ينافي ما ذكرناه الخامس : صفات الله تعالى على قسمين : منها ما يمكن معرفته بمحض دلائل العقل، ومنها ما لا يمكن معرفته إلا بالدلائل السمعية.
فهذا القسم الثاني لم تكن معرفته حاصلة قبل النبوّة.
ثم قال تعالى :﴿ولكن جعلناه نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا﴾ واختلفوا في الضمير في قوله ﴿ولكن جعلناه﴾ منهم من قال إنه راجع إلى القرآن دون الإيمان لأنه هو الذي يعرف به الأحكام، فلا جرم شبه بالنور الذي يهتدي به، ومنهم من قال إنه راجع إليهما معاً، وحسن ذلك لأن معناهما واحد كقوله تعالى :﴿وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا﴾ [ الجمعة : ١١ ].