وزاد عظمه بقوله :﴿من أمرنا﴾ أي بجعله من قسم الأمر وإظهاره في مظهر العظمة فيا له من علو يتضاءل دونه كل شامخ ويتحاقر إكباراً له كل مادح، والمراد بهذا رد ما تقدم من نسبتهم له ـ ﷺ ـ إلى الإفتراء لأنه تعالى لم يختم على قلبه بل فتحه بيد القدرة وأحياه بروح الوحي فأنطقه بالحكم التي خضعت لها الحكماء، وأقرت بالعجز عن إدانتها ألباب العلماء، ودل على ذلك بقوله، نافياً مبيناً حاله ـ ﷺ ـ قبل هذا الوحي :﴿ما كنت﴾ أي فيما قبل الأربعين التي مضت لك وأنت بين ظهراني قومك مساوياً لهم في كونك لا تعلم شيئاً ولا تتفوه بشيء من ذلك وهو معنى ﴿تدري﴾ وعبر بأداة الاستفهام إشارة إلى أن ما بعدها مما يجب الاهتمام به والسؤال عنه، وعلق بجملة الاستفهام الدراية عن العمل وسدت مسد مفعولي الدراية ﴿ما الكتاب﴾ أي ما كان في جبلتك أن تعلم ذلك بأدنى أنواع العلم بمجادلة ولا غيرها ﴿ولا الإيمان﴾ أي بتفصيل الشرائع على ما حددناه لك بما أوحيناه إليك، وهو ـ ﷺ ـ وإن كان قبل النبوة مقراً بوحدانية الله تعالى وعظمته لكنه لم يكن يعلم الرسل على ما هم عليه، ولا شك أن الشهادة له نفسه ـ ﷺ ـ بالرسالة ركن الإيمان ولم يكن له علم بذلك، وكذا الملائكة واليوم الآخر فيصح نفي المنفي لفواته بفوات جزئه.


الصفحة التالية
Icon