واعلم أن كل ما خطر ببالك فاللّه تعالى غير ذلك، راجع الآيتين ١٨/ ١٠٣ من سورة الأنعام المارة "وَهُوَ الْحَكِيمُ" في تدبير خلقه "الْعَلِيمُ" ٨٤ بما يصلحهم "وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ" وقت قيامها فلا يعلمه غيره "وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" ٨٥ في الآخرة "وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ" لأن أمرها منوط به وحده وما يزعمون من أن أوثنهم تشفع زور وبهت، لأنها باطلة ولا يأذن اللّه بالشفاعة لأحد "إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ" كالأنبياء والرسل والملائكة ومن يشاء من عباده العارفين الكاملين، ولمن يأذن لهم من غيرهم أن يشفعوا له "وَهُمْ يَعْلَمُونَ" ٨٦ بحالة المشفوع له لأن الشهادة عن غير علم بالمشهود به لا يعوّل عليها.
وجمع الضمير هنا باعتبار معنى من، كما أن الإفراد باعتبار لفظها والاستثناء متصل لأن المراد به أي بالذين يدعون هم المشركون وبمن دونه كل من يعبد من دون اللّه عز وجل لما في معنى من من معنى الشمول والعموم.
وسبب نزول هذه الآية أن النضر بن الحارث ونفرا معه قالوا إن كان ما يقول محمد حقا بأنه يشفع لمن يتبعه فنحن نتولى الملائكة وهم أحق بالشفاعة منه وكذلك قول اليهود والنصارى إن عزيرا والمسيح يشفعان لهم، فردّ اللّه تعالى على هؤلاء كلّهم بأن ما يتوخونه من الشفاعة من أولئك باطل لأنهم لا يملكون شيئا من الشفاعة لهم، وأن الذين يمكن أن يشفعوا هم الذين اعترفوا بالإله الواحد الحق إذا خولهم ذلك لمن يشاء من عباده، فالشافعون مقيدون بمشيئة اللّه والمشفوع لهم مقيدون برضاء اللّه، راجع الآية ٧٩ من سورة الإسراء والآية ١٠٩ من سورة طه في ج ١.


الصفحة التالية
Icon