ولهذا البحث صلة في الآية ٢٨ من سورة الأنبياء الآتية، قال تعالى "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ" أوثانكم أم اللّه "لَيَقُولُنَّ اللَّهُ" الذي خلقهن لعلمهم بعجز أوثانهم لأنها من صنع أيديهم فقل لهم عند ذلك "فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ" ٨٣ تختلقون
القول بأن أصنامكم شركاء للّه، والشريك لا بد وأن يعمل مثل شريكه أو أقل منه وشركاؤكم عاجزون عن عمل شي ما في السموات والأرض، فكيف تسندون لهم أمر الشفاعة وهم لا يدفعون عن أنفسهم سوءا، وكيف تعبدون غير اللّه مع اعترافكم بأنه خالقكم ورازقكم ؟ وفي هذه الجملة تعجيب مما هم عليه من المناقضات "وَقِيلِهِ" قول محمد صلّى اللّه عليه وسلم "يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ" قومي "قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ" ٨٨ بك ولا يصدقوني وفيه معنى التحسر والتحزّن منه صلّى اللّه عليه وسلم وهنا قد شكا إلى ربه تخلف قومه عن الإيمان كما قال ابن عباس وقال قتادة هذا نبيّكم يشكو قومه إلى ربه وهو آسف من ذلك.
وفيه معنى القسم أي وحق قيله، وإنما أقسم بقيله لبيان رفع جنابه وعلو شأنه والتعظيم لدعائه والتبجيل لا لتجائه إليه، قال تعالى "فَاصْفَحْ عَنْهُمْ" يا سيد الرسل لا تدع عليهم وأمهلهم كما أمهلتهم ليؤمن مؤمنهم ويصر كافرهم "وَقُلْ سَلامٌ" أي اتركهم الآن لأن السلام هنا سلام متاركة لا سلام تحية، ومن قال إنه سلام تحية استدل بجواز السلام على الكفار وابتداؤهم بالتحية محتجا بما أخرجه ابن أبي شيبة عن شعيب بن الحجاب قال كنت مع علي بن عبد اللّه العارفي فمر علينا يهودي أو نصراني فسلم عليه، فقال شعيب فقلت انه يهودي أو نصراني فقرأ علي هذه الآية.
وما أخرجه بن أبي شيبة أيضا عن عون بن عبد اللّه قال قلت لعمر بن عبد العزيز كيف تقول في ابتداء أهل الذمة بالسلام فقال ما أرى بأسا أن تبدأهم، قلت ولم ؟ قال لقوله تعالى وتلا هذه الآية.