وهذا استدلال باطل لأن المشيئة لا تستلزم الأمر أو الحسن لأنها عبارة عن ترجيح بعض الممكنات على بعض حسنا كان أو قبيحا، وقد استدلت المعتزلة فيها أيضا على أن اللّه تعالى لم يشأ الكفر من الكافر وإنما شاء الإيمان لأن الكفار ادعوا أن اللّه تعالى شاء منهم الكفر وما شاء منهم ترك عبادة الأوثان لقولهم (لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) أي لو شاء منا ترك عبادتها لمنعنا من عبادتها ولكن شاء عبادتها فلم يمنعنا، فوبخهم اللّه تعالى ورد عليهم قولهم واعتقادهم بقوله "ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ" البتة بدلالة التنكير والتأكيد بحرف الجر "إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ" ٢٠ يحزرون ظنا وتخمينا وهو كذب محض لأن اللّه تعالى لم يشأ عبادتها ولم يرض بها ولم يستحسنها، وعدم تعجيل العقوبة هو عدم حلول الأجل المعين لها وسبق الكلمة منه تعالى بذلك، راجع ما تقدم في الآية ١٦٣ من الصافات المارة، لأن اللّه تعالى قدر لكل ما يقع في كونه وقتا لا يتعداه ولا يسبقه.
قال تعالى "أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ" أي القرآن ذكرنا لهم فيه ما يزعمونه "فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ" ٢١ كلا لم نأتهم بكتاب ولم نرسل لهم رسولا بعد إسماعيل غير محمد وحيث لم يكن لهم حجة يتمسكون بها من حيث العيان ولا من حيث العقل ولا من حيث السمع، وإنما حجتهم التقليد المحض المشار إليه بقوله عزّ وجل
"بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ" طريقة مأخوذة من الأم وهو القصد وتطلق على الدين لأنه يؤم أي يقصد ويقتدى به يقال فلان لا أمّة له أي لا دين له ولا نحلة، قال قيس بن الحطيم :
كنا على أمة آبائنا ويقتدي بالأول الآخر
وقال غيره : وهل يستوي ذو أمة وكفور.


الصفحة التالية
Icon