"وَقالُوا" فوق ذلك كله مفترحين علينا رأيهم الفاسد "لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ" ٣١ صفة لرجل، وفيه دليل على جواز الفصل بين الصفة والموصوف يريدون أعماهم اللّه الوليد بن المغيرة من قريش مكة وعروة ابن مسعود من الطائف من ثقيف، فرد اللّه تعالى عليهم مؤنبا لهم جرأتهم هذه "أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ" كلا لا حقّ لهم بذلك ولم تكن النبوة خاصة بالأشراف والأغنياء الذين يزعمون، وإنما هي فضل اللّه يختص به من يشاء من عباده الذين هم أهل لها، قال تعالى (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) الآية ١٢٥ من الأنعام المارة، فهو أعلم بمن يصطفيه لها، ثم ضرب مثلا بقوله عز قوله "نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا" فجعلنا هذا غنيا وهذا فقيرا وهذا شريفا وهذا حقيرا "وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ" متفاوتة في الأموال والأولاد والنسب والعشرة والجاه والمنصب "لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا"
في مصالحهم ويستخدموهم بأشغالهم حتى يتعايشوا وبترافدوا.
وهذا لا لكمال في الموسع عليه ولا لنقص في المفتر عليه، بل ليستقيم نظام العالم، ولو لا ذلك لما سخر أحد لأحد، ولأفضى الحال إلى خراب الكون، إذ لا يستغني أحد عن معاونة الآخر، وفي التساوي تنعدم الفائدة، إذ لا ينقاد أحد لغيره، فعلى العاقل أن يتدرج في هذه الدنيا ولا ينظر إلى ما يجمعه الأغنياء من الحطام، بل ينظر إلى ما هو نافع له في عقباد "وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" ٣٢ لأنهم وما يجمعونه فان ورحمة اللّه باقية، وهذا مما يزهد في الانكباب على الدنيا ويعين على التوكل والانقطاع إليه تعالى، قال ابن الوردي :
فاعتبر نحن قسمنا بينهم تلقه حقا وبالحق نزل
ويرحم اللّه الشافعي إذ يقول :


الصفحة التالية
Icon