قال تعالى "وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ" يصدون العاشين "عَنِ السَّبِيلِ" السوي والهدى والرشد "وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ" ٣٧ بسبب وساوسه ودسائسه يريهم الشر خيرا والإيمان كفرا، وقد جمع الضمير في أنهم لأن من مبهمة في جنس العاشي، ولفظ شيطان مبهم في جنسه أيضا، فأرجع الضمير في أنهم الذي يعود على الشيطان مجموعا لذلك، ولأن من باعتبار معناها تدل على الجمع "حَتَّى إِذا جاءَنا" وقرأ بعضهم جاءنا أي العاشي وقرينه "قالَ" العاشي لقرينه اذهب عني "يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ" غلب المشرق على المغرب كما غلب القمر على الشمس في القمرين، أو أنه أراد مشرق الصيف ومشرق الشتاء، لما بينهما من البعد، والأول أبلغ لأنه المتعارف ولأنه أكبر بعدا، أي انك أهلكتني بمقارننك في الدنيا، ليتني لم أتعرف عليك "فَبِئْسَ الْقَرِينُ" ٣٨ أنت، قال تعالى "وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ" العتاب والمجادلة والحذر من قرب بعضكم لبعض "إِذْ ظَلَمْتُمْ" أنفسكم بالأمس أي الدنيا ولم تذكروا يومكم هذا الذي منه حذركم أنبياؤكم "أَنَّكُمْ" اليوم "فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ" ٣٩ كما كنتم في الدنيا مشتركين بالكفر، قالوا إن عموم البلوى بطيب القلب، وعلى هذا قول الخنساء في بعض رثائها لأخيها صخر :
ولو لا كثرة الباكين عندي على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن أعزّي النفس عني بالتأسي
فهؤلاء يؤسيهم اشتراكهم في العذاب ولكن لا يروّحهم لعظم ما هم فيه،
قال تعالى "أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ" في علم ربك الأزلي "فِي ضَلالٍ مُبِينٍ" ٤٠ كلا لا تقدر أن تهديه ولا تفدر على هداية من أضللناه


الصفحة التالية
Icon