قال ابن جرير : قد ارتد، في محنة الله أصحابَ رسوله في القبلة، رجالٌ ممن كان قد أسلم، وأظهر كثير من المنافقين من أجل ذلك نفاقهم، وقالوا : ما بال محمد يحوّلنا مرة إلى ههنا ومرة إلى ههنا ؟ وقال المسلمون، فيمن مضى من إخوانهم المسلمين وهم يصلون نحو بيت المقدس : بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت. وقال المشركون : تحيّر محمد في دينه. فكان ذلك فتنة للمؤمنين وتمحيصاً للمؤمنين. انتهى.
لطيفة :
العقبين تثنية عقب وهو مؤخر القدم. والانقلاب عليهما استعارة تمثيلية، وهذه الاستعارة نظير قوله تعالى :﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ﴾ [ المدثر : ٢٣ ]، وكقوله :﴿ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [ طه : ٤٨ ].
تنبيه :
قال الراغب رحمه الله : ما وجه قوله :﴿ إِلَّا لِنَعْلَمَ ﴾ وذلك يقتضي استفادة علم، ولم يزل تعالى عالماً بما كان وبما يكون ؟ قيل : إن ذلك من الألفاظ التي لولا السمع لما تجاسرنا على إطلاقها عليه تعالى، ومجاز ذلك على أوجه :
الأول : أن اللام في مثل ذلك تقتضي شيئين : حدث الفعل في نفسه، وحدوث العلم به، ولما كان علم الله لم يزل ولا يزال، صار اللام فيه مقتضياً حدوث الفعل لا حدوث العلم.
والثاني : أن العلم يتعلق بالشيء على ما هو به، والله تعالى عَلِمَهُمْ، قبل أن يتبعوه، غير تابعين. وبعد أن تبعوه عَلِمَهُم تابعين. وهذا الجواب هو في الحقيقة الأول ؛ لأن التغيير داخل في المعلوم لا في العلم.
والثالث : معناه ليُعلِم غيرنا بنا. فنسب ذلك إلى نفسه. كقوله تعالى :﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ [ الزمر : ٤٢ ]، وفي موضع آخر :﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ﴾ [ السجدة : ١١ ]، وقال تعالى :﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾ [ النساء : ١١٣ ]، وإنما علمه بملائكته.


الصفحة التالية
Icon