وفيه وجه آخر : وهو أنه قد يذكر ضمير الشيء، وإن لم يكن المضمر مذكوراً إذا كان المضمر مشهوراً معروفاً، كقوله تعالى :﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر ﴾ [ القدر : ١ ] لأن المعروف عند كل أحد أنه - سبحانه وتعالى - وهو القادر على إعزاز من يشاء من خلقه، وإذلال من يشاء، فقوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ﴾ أي : ومثل ذلك الجعل العجيب الذي لا يقدر عليه أحد سواه جعلناكم أمة وسطاً ].
و" جعل " بمعنى صير، فيتعدّى لاثنين، فالضمير مفعول أول، و" أمة " مفعول ثاني ووسطاً نعته.
والوَسَط بالتحريك : اسم لما بين الطرفين، ويطلق على خيار الشيء ؛ لأن الأوساط محميَّة بالأطراف ؛ قال حَبِيبٌ :[ البسيط ].
٨٢١ - كَانَتْ هِيَ الوَسَطَ المَحْمِيَّ فَاكْتَنَفَتْ...
بِهَا الحَوَادِيُ حَتَّى أَصْبَحَتُ طَرَفَا
ووسط الوادي خير موضع فيه ؛ قال زُهَيْر :[ الطويل ]
٨٢٨ - هُمُ وَسَطٌ تَرْضَى الأَنَامُ بِحُكْمِهِمْ...
إذَا نَزَلَتْ إِحْدَى البَلاَياَ بِمُفْضَلِ
[ وقال آخر :[ الراجز ].
٨٢٢ - كُنْ مِنَ النَّاسِ جَمِيعاً وَسَطَا ]...
وقال تعالى :﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ ﴾ [ القلم : ٢٨ ] أي أعدلهم.
[ وروى القفال عن الثورى عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي ﷺ وشرف وبجل وعظم وكرم " أمّة وَسَطاً " ؛ قال :" عَدْلاً ".
وقال عليه صلوات الله وسلام :" خَيْرُ الأُمُورِ أَوْسَطُهَا " ؛ أي : أعدلها.
وقيل : كان النبي - صلوات الله وسلامه عليه - أوسط قريش نَسَباً.
وقال عليه أفضل الصلاة والسلام :" عَلَيْكُمْ بالنَّمطِ الأَوْسَطِ "
قال الجوهري في الصحاح :" أمة وسطاً " أي : عدلاً، وهو الذي قاله الأخفش، والخليل، وقطرب، فالقرآن والحديث والشعر يدلون على أن الوَسَط : خيار الشيء ].
وأما المعنى فمن وجوه.