أحدها : أن الوسط حقيقة في البُعْد عن الطرفين، ولا شك أن طرفي الإفراط والتفريط رذيلتان، فالمتوسّط في الأخلاق يكون بعيداً عن الطرفين، فكان معتدلاً فاضلاً.
وثانيها : إنما سمي العدل وسطاً ؛ لأنه لا يميل إلى أحد الخصمين، [ والعدل هو المعتدل الذي لا يميل إلى أحد الطرفين ].
وثالثها : أن المراد بقوله :﴿ جُعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ﴾ طريقة المدح لهم ؛ لأنه لا يجوز أن يذكر الله - تعالى - وصفاً، ويجعله كالعلة في أن جعلهم شهوداً له ثم عطف على ذلك شهادة الرسول، وذلك مدح، فثبت أن المراد بقوله :" وَسَطاً " ما يتعلّق بالمدح في باب الدين، ولا يجوز أن يمدح الله الشُّهود حال حكمه عليهم بكونهم شهوداً لا بكونهم عدولاً ؛ فوجب أن يكون المراد من الوَسَط العدالة.
ورابعها : أن الأوساط محمية بالأطراف، وحكمها مع الأطراف على حَدّ سواء، والأطراف يتسارع إليها الخَلَل والفساد، والوسط عبارة عن المعتدل الذي لا يميل إلى جِهَةٍ دون جهة.
وقال بعضهم : تفسير الوسط بأنه خيار الشيء [ أوْلى من تفسيره بالعدالة ؛ لأن العدالة لا تطلق على الجمادات، فكان أَوْلَى، والمراد من الآية : أنهم لم يغلوا ؛ كما غلت النصارى، فجعلوه ابناً وإلهاً، ولا قصَّروا ؛ كتقصير اليهود في قتل الأنبياء، وتبديل الكُتُبِ وغير ذلك ].
وفرق بَعْضهم بين " وَسَط " بالفتح و" وَسْط " بالتسكين.
فقال : كلُّ موضع صَلَحَ فيه لفظ " بَيْن " يقال بالسكون، وإلا فبالتحريك.
تقول : جلست وَسْطَ القومِ، بالسكون.
وقال الراغب : وسط الشيء ما له طرفان متساويان القَدْر، ويقال ذلك في الكمية المتصلة كالجسم الواحد، فتقول : وسطه صلب، ووسْط بالسكون يقال في الكميّة المنفصلة ؛ كشيء يفصل بين جسمين نحو :" وَسْط القوم " كذا.