أحدهما : أنها زائدة، ويروى عن ابن عباس أي : أنت عليها، وهذا منه تفسير معنى لا إعراب، وهو كقوله تعالى :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [ آل عمران : ١١٠ ] والقبلة في الأصل اسم للحالة التي عليها المقابلة نحو : الجِلْسَة، وفي التعاريف صار اسماً للمكان المقابل المتوجه إليه للصلاة.
وقال قطرب رحمه الله تعالى : يقولون : ليس له قِبْلَة أي جهة يتوجه إليها.
وقال غيره : إذا تقابل رجلان فكلّ واحد قبلة للآخر.

فصل في الكلام على الآية.


في هذا الكلام وجهان :
الأول : أن يكون هذا الكلام بياناً للحكمة في جعل الكعبة قِبْلة، وذلك لأنه - عليه الصلاة والسلام - كان يصلّي إلى الكعبة، ثم أمر بالصلاة إلى " بيت المقدس " بعد الهجرة تأليفاً لليهود، ثم حول إلى الكعبة فقال :﴿ وَمَا جَعَلْنَا القبلة ﴾ الجهة ﴿ التي كُنتَ عَلَيْهَآ ﴾ أولاً يعني : وما رددناك إليها إلا امتحاناً للناس.
الثاني : يجوز أن يكون قوله :﴿ التي كُنتَ عَلَيْهَآ ﴾ لساناً للحكمة في جعل بيت المقدس قبلة يعني أصل أمرك أن تستقبل الكعبة، وأن استقبالك " بيت المقدس " كان أمراً عارضاً لغرض، وإنما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها قبل وقتك هذان وهي " بيت المقدس " لنمتحن الناس، وننظر من يتبع الرسول، ومن لا يتبعه وينفر عنه.
وذكر أبو مسلم وجهاً ثالثاً فقال : لولا الروايات لم تدلّ على قبلة من قبل الرسول - عليه الصلاة والسلام - لأنه قد يقال : كنت بمعنى : صرت، كقوله تعالى :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾ وقد يقال : كان في معنى لم يزل كقوله تعالى :
﴿ وَكَانَ الله عَزِيزاً حَكِيماً ﴾ [ النساء : ١٥٨ ] فلا يمتنع أن يراد بقوله :﴿ وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَآ ﴾ أي : التي لم تزل عليها، وهي الكعبة إلاَّ كذا وكذا.
قوله :" إلاَّ لِنَعْلَمَ " قد تقدم أنه في أحد الأوجه يكون مفعولاً ثانياً.


الصفحة التالية
Icon