والقول الثاني للكوفيين : وهو أن " اللام " وما بعدها في محلّ الجر، ولا يقدرون شيئاً محذوفاً، ويزعمون أن النصب في الفعل بعدها بنفسها لا بإضمار " أن "، وأن " اللام " للتأكيد، وقد رد عليهم أبو البقاء فقال : وهو بعيد، لأن " اللام " لام الجر، و" أن " بعدها مرادة، فيصير التقدير على قولهم : وما كان لله إضاعة إيمانكم، وهذا الرد غير لازم لهم، فإنهم لم يقولوا بإضمار " أن " بعد اللام كما قدمت نقله عنهم، بل يزعمون النصب بها، وأنها زائدة للتأكيد ولكن للرد عليهم موضع غير هذا.
واعلم أن قولك :" ما كان زيد ليقوم " بـ " لام " الجحود أبلغ من :" ما كان زيد يقوم ".
أما على مذهب البصريين فواضح، وذلك أن مع " لام " الجحود نفي الإرادة للقيام والتَّهيئة، ودونها نفي للقيام فقط، ونفي التَّهيئة والإرادة للفعل أبلغ من نفي الفعل ؛ إذ لا يلزم من نفي الفِعْلِ نفي إرادته.
وأما على مذهب الكوفيين فلأن " اللام " عندهم للتوكيد، والكلام مع التوكيد أبلغ منه بلا توكيد.
وقرأ الضحاك :" لِيُضَيِّعَ " بالتشديد، وذلك أن : أَضَاعَ وَضيَّعَ بالهمزة، والتضعيف للنقل من " ضاع " القاصر، يقال : ضَاعَ الشيء يَضيعُ، وأَضَعْتُه أي : أهملته، فلم أحفظه.
وأما ضَاعَ المِسْكُ يَضُوعُ أي : فاح، فمادة أخرى.
قوله :﴿ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾.
قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر :" لَرَؤُفٌ " على وزن :" نَدُس " و" رَعُف " مهموزاً غير مُشْبَع، وهي لغة فاشيةٌ، كقول :[ الوافر ].
٧٢٨ - وَشَرُّ الظَّالِمين فَلا َتَكُنْهُ...
يُقَاتِلُ عَمَّهُ الرَّؤُفَ الرَّحِيمَا
وقال آخر :[ الوافر ].
٨٢٨ - يَرَى لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ حَقّاً...
كَحَقِّ الوَلِدِ الرِّؤُفِ الرَّحِيمِ
وقرأ الباقون :" لرؤوفٌ " مثقلاً مهموزاً مشبعاً على زنة " شكور ".
وقرأ أبو جعفر " لروف " من غير هَمْزٍ، وهذا دأبه في كل همزة ساكنة أو متحركة.