ودل على أن مرضيه الكعبة بفاء السبب في قوله :﴿فول وجهك﴾، وأما قلبك فإنما توجهه إلى الله، الغيب للغيب والظاهر للظاهر، ﴿شطر﴾ أي عين ﴿المسجد﴾ كما استدل الشافعي رحمه الله في الرسالة على ذلك بجملة من أشعار العرب وقال : وهذا كله من أشعارهم يبين أن شطر الشيء قصد عين الشيء، إذا كان معايناً فبالصواب وإن كان مغيباً فبالاجتهاد ﴿الحرام﴾ وتعبيره بهذا دون الكعبة فيه توسعة.
قال الحرالي : سماه الله حراماً لحرمته حيث لم يوطأ قط إلا بإذنه ولم يدخل إلا دخول تعبد وذلة فكان حراماً على من يدخله دخول متكبر أو متحير - انتهى.
وعن الإمام الماوردي أن كل موضع ذكر الله فيه المسجد الحرام فالمراد به الحرم إلا هذا فالمراد به الكعبة - انتهى.
وعبر عنه بذلك لأن السياق للصلاة التي أعظم مقصودها السجود، وسيأتي عند ﴿يسألونك عن الشهر الحرام﴾ [ البقرة : ٢١٧ ] زيادة على هذا، وفي الموطأ عن سعيد بن المسيب أنه قال :" صلى رسول الله ﷺ بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهراً نحو بيت المقدس، ثم حولت القبلة قبل بدر بشهرين " ولما بشره سبحانه بالتحويل أولاً وأوقع المبشر به ثانياً أشار إلى بشارة ثالثة بتكثير أمته ونشرهم في أقطار الأرض فجمعهم إليه في قوله :﴿وحيث ما كنتم﴾ أي من جهات الأرض التي أورثكم إياها ﴿فولوا وجوهكم شطره﴾ بتوجيه قلوبكم إليّ.


الصفحة التالية
Icon