وأما سرّ الأمر بالتولية خاصاً وعاماً، فقال الراغب : أما خطابه الخاص فتشريفاً له وإيجاباً لرغبته. وأما خطابه العام بعده، فلأنه كان يجوز أن يعتقد أن هذا أمر قد خُص عليه السلام به، كما خص في قوله :﴿ قُمِ اللَّيْلَ ﴾ [ المزمل : ٢ ]، ولأنه لما كان تحويل القبلة أمراً له خطر، خصهم بخطاب مفرد ليكون ذلك أبلغ وليكون لهم في ذلك تشريف، ولأن في الخطاب العام تعليق حكم آخر به، وهو أنه لا فرق بين القرب والبعد في وجوب التوجه إلى الكعبة.
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾ قال الفخر : الضمير في قوله :﴿ أنه الحق ﴾ راجع إلى مذكور سابق، وقد تقدم ذكر الرسول كما تقدم ذكر القبلة، فجاز أن يكون المراد أن القوم يعلمون أن الرسول مع شرعه ونبوته حق، فيشتمل ذلك على أمر القبلة وغيرها، ويحتمل أن يرجع إلى هذا التكليف الخاص بالقبلة، وأنهم يعلمون أنه الحق. وهذا الاحتمال الأخير أقرب ؛ لأنه أليق بالمساق.
ثم ذكر من وجوه علمهم لذلك : أنهم كانوا يعلمون أن الكعبة هي البيت العتيق الذي جعله الله تعالى قبلة لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وأنهم كانوا يعلمون نبوة محمد ﷺ لما ظهر عليه من المعجزات، ومتى علموا نبوته فقد علموا لا محالة أن كل ما أتى به فهو حق ؛ فكان هذا التحويل حقاً.