فائدة
قال ابن عاشور :
﴿ولئن أتيتَ﴾ عطف على قوله :﴿وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون﴾ [البقرة : ١٤٤]، والمناسبة أنهم يعلمون ولا يعملون فلما أفيد أنهم يعلَمون أنه الحق على الوجه المتقدم في إفادته التعريض بأنهم مكابرون ناسبت أن يحقق نفي الطَّمع في اتِّباعهم القِبْلَة لدفع توهم أن يَطْمع السامع باتباعهم لأنهم يعلمون أحقيتها، فلذا أكدت الجملة الدالة على نفي اتِّباعهم بالقَسَم واللام الموطئة، وبالتعليق على أقصى ما يمكن عادةً.
والمراد بالذين أوتوا الكتاب عين المراد من قوله :﴿وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون﴾ على ما تقدم فإن ما يفعله أحْبارهم يكون قدوة لعامتهم فإذا لم يتبع أحبارهم قبلة الإسلام فأجْدَرُ بعامتهم أن لا يتبعوها.
ووجه الإظهار في مقام الإضمار هنا الإعلان بمذمتهم حتى تكون هذه الجملة صريحة في تناولهم كما هو الشأن في الإظهار في موقع الإضمار أن يكون المقصود منه زيادة العناية والتمكن في الذهن. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣٥﴾
وقال البقاعى :
﴿ولئن أتيت الذين أوتوا﴾ بناه للمجهول تنبيهاً على هوانهم ﴿الكتاب﴾ أي من اليهود والنصارى ﴿بكل آية﴾ أي من الآيات المسموعة مرغبة ومرهبة ومن الآيات المرئية مغرّبة ومقربة ﴿ما تبعوا قبلتك﴾ أي هذه التي حولت إليها وكنت الحقيق بها لكونها قياماً للناس كما أنت رسول إلى جميع الناس، لأن إعراضهم ليس عن شبهة إذا زالت زال بل عن عناد. ثم أومأ إلى أنهم ينصبون له الحبائل ليعود ولو ساعة من نهار إلى قبلتهم ليقدحوا بذلك فيه فقال :﴿وما أنت بتابع قبلتهم﴾ ثم أشار إلى عيبهم باختلافهم وتفرقهم مع نهيهم عنه فقال :﴿وما بعضهم﴾ أي أهل الكتاب ﴿بتابع قبلة بعض﴾ مع تقاربهم في النسب، وذلك حثاً للعرب على الثبات على مباعدتهم والحذر من مخادعتهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٢٦٨﴾